أنت هنا

$14.99
الاعمال الشعرية الكاملة

الاعمال الشعرية الكاملة

0
لا توجد اصوات

الموضوع:

تاريخ النشر:

2014

isbn:

978-614-419-418-8
مكتبتكم متوفرة أيضا للقراءة على حاسوبكم الشخصي في قسم "مكتبتي".
الرجاء حمل التطبيق المجاني الملائم لجهازك من القائمة التالية قبل تحميل الكتاب:
Iphone, Ipad, Ipod
Devices that use android operating system

نظرة عامة

كتاب " الاعمال الشعرية الكاملة " ، تأليف فوزية ابو خالد ، والذي صدر عن دار المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :

أذكر من طفولتي الأولى وجه شفيف من بَرد الطائف وزمزم مكة مشرب بلون الورد واللبن تقطر شلالات مائه في جوفي فيما ينسدل إلى خاصرة صبية صغيرة لم تبلغ الخامسة عشرة، شعر خروبي ناعم احس ملمسه كريش العصفور كلما شاغبت يدي الطرية خصلاته وأنا على حجرها ترضعني· ولم أكن أدري ولم أتلعم النطق بعد أن ذلك الملس الستاني الشرس لن يتوقف عن التدخل في تركيب نسيج قصائدي من يومها إلى اليوم كلما واتتني صدفة أو واعدتني عن عمد خلسة عن العيون شياطين الشعر· لم تكن تلك المرأة الممشوقة بأغصان الشباب ترضعني حليبا وحسب وإنما كنتُ أرضع منها شهد الأشواق الفوارة داخل ثوبها القطني المزموم على خصرها النحيل لاكتشاف العالم· ولعلني لم ألحظ في تلك التجربة الحميمة الغامضة إلا لاحقا سؤال كيف تحل عدة نساء، الأم، الجدة الخالات والعمات وربما جارات الحارة كلها وإناث القبائل التي ينحدرن منها في جسد امرأة واحدة فتحوله إلى حقل أحلام مشتركة ومستقلة ومتنافرة لا يقل خطورة عن حقول الألغام· كان ذلك العالم كما ساررتني لاحقا ولم اتجاوز السادسة وهي لم تبلغ العشرين، يبدو لها بوابة مفتوحة على غسق أومغارة مغلقة مثل مغارة علي باب لا تفتح إلا بكلمة السر· وكانت شفرته الأولى بالنسبة لي وربما بالنسبة لها أيضا هي كلمة ماما· وكنا نتنادى بتلك الكلمة المكونة من أربع أحرف متبادلة في إيقاع شعري لم يضع كبار الشعراء يدهم بعد على مصباته· فنبتكر لكلمة ماما· أمي، يمه، يوه، مامي·· ماماميه· معاني مختلفة تفوق نغماتها في لغات البشر أجمع· فلا يصير المعنى الاجتماعي لكلمة الأم إلا واحدا من حبكة الخيوط والأسلاك والشرايين والأوردة وطرق التبانة المتشابكة التي تشكل علاقتي بأمي وتشكل علاقتها بي على امتداد الجسر المشيمي الذي يربط ويفصل بين عالمينا في تكوينهما التخيلي والواقعي معا· كانت الالتماعة السوداء لعيون تلك الشابة الصغيرة التي تحف بي كلما نمتُ أو صحوتُ أول نجوم تختطف بصري في ذلك العمر من مطلع طفولتي المبكرة وتضييء عتمة حبري الموعود قبل ان اعلم أن في الوجود نور وظلمة · كانت رائحة عطرها وعرقها وحنائها أول أحماض حبرية تساقط على دفتر ذاكرتي البكر فتحيل بياض أولى صفحاتها إلى حرائق من لهب ودخان وإلى حدائق من سندس واستبرق· ولا زلت التفتُ بحثا عن أطياف أمي وإن كانت كل منا في الطرف الآخر من جهات الأرض كلما شممت رائحة المطر· فرائحة المطروحدها تذكرني بعبير أمي الذي كان ينتشر في هواء البيت كلما تنفست أو لفحت نخيل الجزيرة العربية رياح المواسم· كانت كفي أمي أول حرير يلامس روحي ويثير في جسدي الصغير قشعريرة الأسئلة كلما هدهدتني أو ذهبت لاشغالها وتركتني احبوا على مدة الحصير والحنبل أو أعشاب الرمل التي كانت تكسو حوش بيتنا· وكان صوت أمي بالمجرور الحجازي وباناشيد الطفولة حدارجة مدارجة ياكل عين سارجة ودوهه يا دوهه والكعبة بنوها··· ونام نام ياطير الحمام وبالغنة النجدية جانا الغزيل يردي يردي مكحل بالوردي وأح وبح وجعل وأبويي ما يدبح أول إيقاعات الشجن التي تفتح عليها حسي الشعري·