كتاب " الفكر النقدي وأسئلة الواقع "، تأليف باقر جاسم محمد ، والذي صدر عن دار مركز الكتب الاكاديمي ، ومما جاء في مقدمة الكتاب :
في مهمة السؤال وحرية الموقف
ترى أين يقف الفكر النقدي في مواجهة قضايا ذات أبعاد معرفية مختلفة تجمع بين المسائل الاجتماعية واللسانية والأدبية والفنية؟
في الإطار النظري، قد تذهب بنا الإجابة على مثل هذا السؤال إلى الخوض في قضايا فكرية وفلسفية تدور في فضاء من التجريد. ولكن في إطار الممارسة، يمكن للباحث أن يدرس هذه القضايا على نحو أقرب إلى الواقع الموضوعي دون إهدار البعد النظري الذي سيكون حاضرا ً بقوة. و سيتخذ هذا الحضور صورتين: ضمنية وصريحة. ومن وجهة نظر منهجية، يقع تأليف الكتب الفكرية في نمطين أساسيين: النمط الأول يكون محكوما ً بوحدة الموضوع، وهنا يكون الباحث ملزما ً باستقصاء كل أو أغلب ما يقع تحت طائلة موضوع كتابه من أدبيات سابقة، فضلا ً عن طرح رؤيا فكرية لمشكلة مستمدة من طبيعة العنوان/ الموضوع، ومن ثم العمل على بحث أبعاد هذه المشكلة واقتراح الحلول لها. ومن أمثلة ذلك كتاب (العلمانية من منظور مختلف) للدكتور عزيز العظمة و(النقد المنهجي عند العرب) للدكتور محمد مندور. أما النمط الثاني، فإنه يسعى إلى استظهار موقف فكري بعينه إزاء مشكلات وقضايا ذات أبعاد مختلفة ومتعددة الجذور لكي يسلط الضوء عليها بغية أظهار قدرة الموقف الفكري الموحد في النظر إلى مشكلات العالم، كما في بعض كتب الدكتور علي حرب والدكتور عبد الله إبراهيم. وقد اتخذنا النمط الثاني سبيلا ً في كتابنا هذا.
حين يضع المؤلف في عنوان كتابه عنصري الفكر والأسئلة فإن ذلك قد يجعل القارئ يتوقع أن متن الكتاب سيتوصل إلى جواب من نوع ما لتلك الأسئلة. وهذا ما حاولنا أن نتجنبه قدر الإمكان لأننا نعتقد أن طرح السؤال أهم بكثير من تحديد الجواب كما يذهب إلى ذلك المشتغلون في حقل الفلسفة. لذا نود أن نبين بأننا لم نقصد من صنيعنا هذا سوى أن ندعو القارئ إلى أن يمعن النظر جيدا ًً في كل فكرة نطرحها، فيتأملها عميقا ً، ويمحصها مليا ً، ويراجع نفسه جيدا ً قدر ما يشاء قبل أن يقبل تلك الفكرة أو أن يرفضها. ففي كتابنا هذا، يكون الكشف عن العلاقة الجدلية بين الفكر والواقع هو الهدف، وهو ما نريد له أن يكون مشفوعا ً بفكرة أو جملة من الأفكار ترد في كل مقالة أو دراسة تسوغ طرح هذه الأفكار ودراستها. لذلك فإن إثارة هذه الأفكار يمثل دعوة للقارئ للتفكير والتدبر قبل أن يوافق أو أن يرفض أية فكرة أو رأي. فالموافقة أو الرفض موقفان يتعلقان بالحق الأول للإنسان بوصفه كائنا ً اجتماعيا ً حرا ً. وأعني بذلك الحق غير المنازع في أن نعبر عن كياننا وعن استحقاقنا لوصف الإنسان بالتمسك بحرية الاختلاف حين نكون على قناعة بأهمية الأسباب التي تدعونا للاختلاف، وبالقدر نفسه نتمسك بحق الاتفاق بوصفه تعبيرا ً عن حقنا في أن نقتنع بما نراه صحيحا ً من القضايا أو الأفكار، وإن كان ذلك بعد تدبر وتفكير ومراجعة. وحتى نحذر من الغواية التي قد تنطوي عليها الأيديولوجيا التي لا نبرئ أنفسنا منها، كنا نعيد أحيانا ً طرح السؤال تصديقي هو: (أليس كذلك؟) في نهاية بعض من الدراسات أو المقالات ليس طلبا ً للتصديق على جواب حصري، وإنما جاء ذلك توكيدا ً لأهمية الموقف الفكري المستقل وتذكيرا ً للقارئ بحقه في الاختلاف قبل حق الاتفاق في دعوة ضمنية للحوار الفكري.
مشاركات المستخدمين