أنت هنا
نظرة عامة
كتاب " رسائل ابن حزم " ، تأليف : د.حنان سعادات ، والذي صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون .ومما جاء في مقدمة الكتاب .
شهدتْ الدّراسات اللّغوية في العقدين الأخيرَين مِن القرن الماضي تطوّرات على قدْر كبير مِن الأهمية، رافقها دعوة العلماء إلى ضرورة إعادة الصلة فيما بين اللغة والدراسة الأدبية؛ بعد قطيعة كبيرة جداً، كانت نتيجتها عدم القيام ببحوث مشتركة بين المجالين الأدبي، واللّغوي([1]). ولقد كان أهم مظهر من مظاهر التطور هو مولد نظرية (نحو النص)، التي تمكَّن أعلامُها من إعادة الصلة فيما بين اللغة وواحدٍ من أعظم تجلّياتها وهو النص.
حيث إنَّ «النص» يشكّل مفهوماً مركزياً في الدراسات اللسانية المعاصرة، وجاءت هذه الدراسات بمسميات عدة مثل: علم النص، أو لسانيات النص، أو لسانيات الخطاب، أو نحو النص… وكلها تتفق حول ضرورة مجاوزة «الجملة» في التحليل البلاغي إلى فضاء أرحب وأوسع، بل وأخصب -في محاورة العمل الفني-، هو «الفضاء النصي»، ويُعدّ الاتجاه إلى تحليل النص فتحاً جديداً في تاريخ اللسانيات الحديثة؛ فقد شهدتْ الدراسات اللّغوية في العقدين الأخيرين من القرن الماضي تطورات هائلة مسَّت مختلَف مستويات التحليل اللسانية، وخرجتْ على بعض أعراف علم اللغة -التي كانت ترى الجملة أكبر وحدة لغوية، وأقصى ما يحاط به في البحث اللغوي- متجاوزة بذلك حدود الجملة إلى فضاء لُغوي أوسع هو فضاء النص؛ إذ عُدّ النص هو الصورة الكاملة والأخيرة المتماسكة التي يتم عن طريقها التواصل بين أفراد المجموعة اللغوية. وكان الهدف من ذلك أن تصاغ نظريَّة نصِّية عامَّة تشكِّل أساساً لوصف الأشكال النصّية المتباينة وعلاقاتها المتبادلة، تنظر إلى النص بشكل كلَّي، فلا تقف عند بنائه التركيبي إلَّا بقدر ما يؤثّر هذا الركن البنائي في حركة النص الكلّية([2]).
وقد بشّر كـل من «بيتوفي» و«هاريس» بعلم اللغة النصي؛ حيث لم تعد الجملة كافية لكل مسائل الوصف اللغوي، فكان من المفروض أن يتجه الوصف في الحكم على الجملة مِن وضْعها في إطار وحدة كبرى هي النصّ، وقد عُدّ علم النص في رأيهما تطويراً وتوسيعاً لعلم لغة الجملة الذي شُغل به البِنائيون الأمريكان منذ «بلومفيلد»، كما شُغلت به مدرسة «تشومسكي» في الكفاية اللغوية التي توصف توليدياً في إطار القدرة على توليد عدد لا متناهٍ من الجُمل، وقد استطاع هاريس بمناهجـه النصية المبكرة والمبتكرة التي اعتمدها في كتابه «تحليل الخطاب» تطوير المناهج المتبعة في تحليل الجملة. واتّسع البحث اللساني، فصار يجمع بين الاعتبارات اللفظية والتركيبية والمعنوية والمقاميّة، ويعيد تشكيل مناهج المعرفة اللغوية لدراسة العلاقات المنظمة للنص، فنتج عن ذلك ما عُرف بـ (نحو النص)، وهو محاولة لوضع منهجية قرائيّة تلج إلى الفضاء النصي، وتخترق أنظمته، وتفكك مستوياته الدَّاخلية، وتتعرف كيفية انتظام اللغة داخله، وتحقق نصِّيَّته([3]). فنحو النص هو العلم الذي استطاع أن يجمع بين عناصر لغوية وعناصر غير لغوية لتفسير الخطاب أو النص تفسيراً إبداعياً.
فكان اختياري دراسة في نحوَ النص اتجاهاً حديثاً في دراسة النص اللغوي؛ ذلك أنّ «النحو» يجتذبه النص أكثر مما تجتذبه الكلمة أو الجملة، وأن محاولة تجزئة النص ليست إلا وهماً أو خيالاً، وبهذا المفهوم يتجاوز النص كل حدود المعيارية لنحو الجملة، كما أنه يتجاوز كل عادات القراءة التقليدية، وطرق التحليل النحوي المعروفة، التي خدمت اللغة قروناً طويلة، وما زالت.
حيث لا يتم تحليل هذا النص المنجز نحويّاً إلا عن طريق مراعاة التفاعل والترابط بين جسد النص بأجزائه من ناحية، ومدلولاته المتنوعة من ناحية ثانية، وكذلك مراعاة التفاعل بين المبدع والمتلقي من خلال مراعاة المقام الذي يشغل جزءاً لا بأس به من اهتمام نحو
النص.
مشاركات المستخدمين