أنت هنا

قراءة كتاب خلود

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خلود

خلود

راوية "خلود" للكاتب الفلسطيني سمير الجندي، يسجل من خلالها العلاقات الإنسانيةً، والهموم الشخصية، وواقع تعيشه مدينة القدس حيثُ تتصارع حولها الأحلام والأماني، ونزعات الخير والشر، وبقاء الحياة والوجود بين الأنا والآخر , 

تقييمك:
4
Average: 4 (2 votes)
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 8
5
 
يعج تقاطع حوش الغزلان مع حوش الشاي بالحركة، يمض الناس في كل اتجاه، لكنهم لا يتكلمون، لا يصرخون، يلعنون بصمت، إنهم يتألمون بألم، كنا كمن نام بمكان واستيقظ ليجد نفسه في مكان آخر مختلف كل الاختلاف، لا خطط نسير عليها مع شمس نهار لا يبدو كأي نهار مرّ علينا من قبل،  يتحرك الرجال بصورة أوتوماتيكية، ترى أحدهم يدخل بيته ويخرج منه، ثم يدخل ويخرج بصورة لا إرادية، وآخر يخرج حاملاً أوعية نحاسية، أو فراشاً وأغطية، وامرأة تحمل بين أحضانها طفلين صغيرين، وعجوز تمشي بمعاونة حفيدها وقد زادت تشققات الشيخوخة على وجهها، كان مشهداً محيراً لم  أر مثله من قبل، نساء تبكين، ورجال فقدوا شهية رجولتهم، وأطفال صودرت طفولتهم، وصبية تائهون حائرون، وجدران اعتصرها الحزن، وقباب تبتهل إلى السماء ، وسماء حجب وجهها غبار ودخان وأدعية، أصوات انفجارات تكسر سكون الأمان، وقامات منحنية بأثقالها وهمومها وأحلامها المتهتكة، أطفال حفاة ممسكين بأطراف ثوب أجهضته الأوساخ، وشيخ يتكئ على عصاً كان قد قطعها في شبابه من شجرة بلوط تُركت وحيدة بعد نزوحه الأول من دير ياسين، وعيون تركت دموعها على جدران الأزقة، وعتبات المنازل، لعنات كالطوفان على من هرب مخلفاً أذيال الذل والعار... 
 
خرجنا من حوش الشاي عبر حوش الغزلان إلى باب السلسلة، الحوانيت مغلقة، أبو حليمة بائع الحلاوة بسمسمية غير موجود في مكانه، لأول مرة هو غير موجود، مقهى باب السلسلة مغلقا، لا دخان سجائر، لا أصوات لحجارة النرد ولا حجارة تطرق بنشوة الفوز بلعبة الطاولة، ولا قهقهات للشامتين على خسارة أحدهم، مشينا باتجاه الحرم، الباب مغلق، عدنا مع الراجعين أدراجهم، سرنا مع أثقالنا، وخوفنا، نحو خان السلطان، تجمع الكثير من الناس في ساحة الخان، ولم يعد هناك حيز في غرفه الصغيرة، بعد أن تجمع في كل غرفة من غرفه السفلية أو غرفه العلوية، عائلات بكاملها، كان مخبز درجة الطابونة يوزع الخبز مجاناً ناولنا أحد الرجال أربعة أرغفة، وعندما وصلنا إلى مفترق حارة الشرف وسوق الباشورة وسوق الخواجات، كان عدد كبير من الجنود متجمعين على مدخل حارة الشرف، يمنعون الناس من الدخول إلى الحارة، أصبح محل "أبو أيوب" خلف الجنود، لكن رائحة فلافله لم تغادر أنفي، وهي الآن تنفذ من بين أجسادهم التي تقف حائلا بيننا وبين مدخل الحي، ليت كل شيء ينتقل ويتحرك من مكانه كما تنفذ رائحة فلافل أبي أيوب،  صرخ الجنود قائلين:

الصفحات