أنت هنا

قراءة كتاب برد الصيف

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
برد الصيف

برد الصيف

 رواية "برد الصيف" للكاتب جميل السلحوت، تشكل هذه الرواية الجزء الرابع من سلسلة روايات درب الآلام الفلسطيني التي يواصل السلحوت كتابتها، وقد سبقتها الأجزاء الثلاثة الأولى وهي:"ظلام النهار" وجنة الجحيم" و"هوان النعيم"وهي من اصدارات دار الجندي أيضا ,

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 1
عندما أطلّ الأستاذ خليل على القدس القديمة من قمة جبل المكبر، رآها تتدثر بعباءة الهزيمة السوداء التي أوقعتها تحت الاحتلال، فجرافات الهدم أدمت خاصرتها الجنوبية الغربية،  واقتلعت أكثر من ألف بيت تاريخي، والمسجد الأقصى يئن من ضجيج الهدم الذي طال حائطه الغربي، في حين ارتعدت فرائص كنيسة القيامة ومآذنها تعانق مئذنة المسجد العمري الشامخ أمامها، وتصلي لربّها بأن يحفظ قرينها الأقصى، وتكيل لعناتها على من يتاجرون بالصليب في العالم الغربيّ، وساعدوا في إيقاع مدينتها تحت سيطرة الغرباء، وسور المدينة يبكي ماضيه، فلم تعد أبوابه قادرة على حماية المدينة، وبواباته التاريخية تتململ من الغرباء الذين يمتشقون أسلحتهم تحت أقواسها، وينكلون بالمؤمنين الذي يعبرونها لآداء الصلوات في أماكنها المقدسة.
 
وتساءل اذا ما كانت أبواب السماء قد أغلقت أبوابها، ولم تعد تقبل دعوات وصلوات المؤمنين؟ ودعا الله قائلا:- رحماك يا ربّ، فهذه المدينة عاتبة على أحبّائها، وحزينة على من سقط من أبنائها وأبناء أكنافها، وتبكي من غادروها إلى المجهول...فالمدينة ثكلى، يلفّها ثوب أسود من الغبار والرمال، وكأنها في حداد لن تستطيع  قطرات المطر الخفيفة التي تساقطت في تشرين الثانيغسلها....وهذا ما أكده كبار السّنّ،  فالمدينة لا يمكن أن تعود لطبيعتها الفرحة الباسمة ما لم تعد إلى سابق عهدها، كموسوعة حضارية لأجناس مختلفين تعاقبوا عليها، لكن قلب الأمّ لا يخطئ فهي تعرف أبناءها وفلذات كبدها، ولن يستطيع الغرباء إقناعها بأنهم أبناؤها، وهي لن تقبل بهم مهما حاولوا استرضاءها. تتلمس المدينة خاصرتها الجريحة، وتجثو في مهدها وهم يستبيحون أحشاءها ويستلّونها، وعينها إلى الشرق تنتظر من يضمّد جراحها النازفة....وبكت عندما رأت صلاح الدين يعلو بوّابة باب العمود متلفعا بعباءته  فوق السّورومخفيا سيفه على غير العادة...كان متجهما وقد شقّق الدهر وجهه، فرأت أن الرجل حزين على أحفاده الذين ما حفظوا الأمانة التي تركها لهم...لكن قلب الأمّ لا يقسو على أبنائها، فطمأنته بأنّها باقية مكانها، وأنها ليست عاقرا.
 
رأى االمدينة تنتعش قليلا عندما رأت أبناءها يتجمعون  ويخرجون من الأقصى هاتفين باسمها، وارتعشت غضبا عندما رأت أبا سالم يجوب وسط الشباب بلباسه الجديد، ينظر في وجوههم وكأنه يتعرف عليهم، وعندما شاهد خليل يرفع يده ويرغي ويزبد...اقترب منه وقال:-يا ولد "عند مخالفة الدول الشاطر بخبّي راسه"....وأنت أكتع إذا ما أمسكوا بك سيكسرون يدك السليمة.
 
نظر إليه خليل حانقا وسأله:- ولماذا لا تخبّئ رأسك أنت؟
 
فردّ أبو سالم:- أنا أعرف ما أفعل.
 
فقال خليل ساخرا:- وأنا أعرف أيضا ماذا أفعل؟
 
أبو سالم متوددا:- أنا لا أريد لك ضرّا.
 
قال خليل وهو يبتعد عنه:- ومن أنت؟ وهل تملك الضرّ أو النفع؟
 
بعد صلاة المغرب اجتمع عدد من رجال البلدة في بيت المختار أبي سعيد، حضر أبو سالم يرتدي قمبازا وعباءة جديدين، نفخ كتفيه بينما في نظراته انكسار...طرح تحيّة المساء...فلم يرد بمثلها سوى صاحب البيت...في حين تلفت الآخرون بوجوه بعضهم البعض....خيّم السكون وانتشر دخان السجائر يجوب فضاء المضافة...أبو سالم يفتح عباءته قليلا كي يرى الآخرون ملابسه الجديدة...تنحنح وقال:-
 
سمعت أصواتكم عن بعد مئة متر...وأراكم سكتّم منذ دخولي...إن كنت غير مرغوب بي، أو كانت بينكم أسرار، فبإمكاني الانصراف.
 
فقال المختار أبو السعيد بصوت منخفض:- ليس من عاداتنا أن نطرد ضيوفنا يا أبا سالم.
 
 أبو سالم بصوت متهدّج:- أنا لست ضيفا....أنا واحد منكم...ولولا الواجب لما خرجت من بيتي.

الصفحات