أنت هنا

قراءة كتاب أرجوحة تعلو... وتعلو

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أرجوحة تعلو... وتعلو

أرجوحة تعلو... وتعلو

رواية "أرجوحة تعلو... وتعلو "، تبدأ الكاتبة في مقدمتها قائلة: هل الكتابة هي النص ؟هل هي المكتوب منه أو المسكوت عنه؟هل هي الأطر؟ أم أنها الهوامش؟ أم أنها التخوم ؟ أم أنها النصوص السابقة؟ أم أنها النصوص المتقاطعة؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7
كم هي صعبة لحظات الفراق، فالأحداث المؤلمة، والذِّكريات المزعجة تبقى راسخة في الذاكرة، ومكتوبة بحبر لا يُمحى· وما يعزيها ويخفف من لوعتها على بثينة أنها غادرت الحياة بعد وفاة والدتها حياة، حتى لا تُرهقها بمعاناتها، وتضيف إلى أعباء حياتها رؤيتها وهي تصارع الألم المفترس لصباها المبهج، فتزداد غُصَّتها، فيكفي أنها تركتها صغيرة، وافترقت عنها، وظلَّت تشتهي رؤيتها في لحظة أمومة حنونة، وتشعر بالذنب لفراقها في عمر مبكّر· لكن بثينة كبيرة العقل والنفس والوجدان سامحت الوالدة وغفرت لها في وقت متأخر، فهي الابنة المفضلة لوالدتها ولم تساور روعة الغيرة ولا لحظة· لقد كانت تستأهل تلك المحبة باستحقاق·
 
سلام: الأخت الصغرى، لحقت هي الأخرى - بعد سنة- ببثينة · لقد خان جسدَها وروحها مرضٌ لم يمهلها طويلاً، زارتها آلامه شهراً واحداً، ثم قصف زهرة شبابها، وسقاها كأسه المرّة لتصبح في عالم الأبدية والخلود، فبكتها بحرقة وألم كما بكت بثينة· سلام التي أسمتها >الجناح المكسور كان ألم فراقها كبيراً وصعباً، استقر في زاوية من القلب مثل عاصفة تهب من غير مناسبة ومن مكان غير مناسب· فعندما كانت تذهب للمشي شبه اليومي تشعر بطيفيهما يحوم حواليها، وفجأة، تنساب الدموع من عينيها حزناً على فراقهما··· تتلفت حواليها خشية أن يراها أحد··· تمسح دموعها الساخنة، وتتابع مشيها وهي أكثر صفاء وشفافية وخفة·
 
لم تودع الجناح المكسور، ولم تستطع أن ترى في ملامحها الصامتة نظرة العتاب، لأنها لم تساعدها ولم تنتصر لها كما يجب أن تكون عليه الأخت الكبيرة· لم تكن تلتقي الجناح المكسور إلا مرتين في السنة أو أكثر قليلاً في الإجازات بسبب إقامتها في الخارج والتزامها بالعمل· لقد فرضت الإعاقة على الجناح المكسور، وما نتج عنها من مواجهة صعوبات في التعلم أن تمكث في البيت ومساعدة الوالدة في المنزل، وفي مرحلة لاحقة راحت تخرج معها لزيارة صديقاتها المقربات·
 
وفي المدرسة ظلَّ يجللها الحياء من أختها لأنها لا تذهب للمدرسة، ولا تقوى على النطق مثل الأطفال الصغار الذين في مثل سنّها· لكن الغريب في أمرها أنها بقيت طفلة بجسم امرأة· لقد كانت مختلفة ولم تستطع أن تفسر هذه الظاهرة الاستثنائية· وما زالت تطوف في مخيلتها رحلة مرض والدتها على إثر إصابتها بالجلطة الدماغية، وبخاصة عندما تومىء لهم الوالدة حياة بالإشارة في أثناء اجتماعهم حول سريرها، لأن لسانها معقود عن الكلام فلا يسعفها بالنطق، وبعد جهد يفهم الجميع أنها توصيهم ب الجناح المكسوروالاعتناء بها، فتدور بها الأرض ولا تكاد الدنيا تسعها من الضيق وجبال الأحزان التي تجثم على صدرها· كلّ ما تتذكره من كلام والدتها أن >الجناح المكسور< أصيبت بحمَّى شديدة في صغرها، وأنها راحت تهزُّ رأسها في أثناء النوم، وفيما بعد بدأت علامات تأخرها في النمو والتطور، وعندما حان وقت التحاقها بالمدرسة، لم تستطع مجاراة طالبات صفها في التعلُّم، فانتهى بها المطاف إلى البقاء في البيت· وعند هذا الحد وقفت الحياة بالجناح المكسور، فقد فوَّضت الأسرة أمرها إلى الذي خلقها، وعليها التسليم بقضاء الله وقدره·

الصفحات