أنت هنا

قراءة كتاب في ذكرى الغبار و ((شانيل))

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
في ذكرى الغبار و ((شانيل))

في ذكرى الغبار و ((شانيل))

"في ذكرى الغبار وشانيل" للقاص المحامي صادق عبدالحق صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وهي مجموعة قصص تؤرّخ كما يقول، لنصف قرن وأكثر من السنوات مضت بين الوعي في العام 1946 والركود في العام 1996، ثم التوقف، متمنيا أن تكون المجموعة شهادة صادقة على الزما

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
فصيح يتيم
 
كيف؟ كيف بوسعه أن يستعيد تلك اللحظات؟ كامل تلك اللحظات، بتفصيلاتها الجميلة؟؟ هل يمكن تسجيلها بالصورة والصوت والكلمة؟ بالمذاق؟ كيف؟ ما كان أجملها لحظات! لا تصدق!: وردة المبتسمة، الطيّعة، هي العصيّة، الموافقة - بل والمتلهفة كما بدت -·· ولكن كيف تم ذلك؟ ولماذا كان؟ وما الذي جاء بها الآن؟··· أم أن الأمر هو تمامًا كما يقول كاريل في هذه الصفحات الماثلة بين يديه - على صدره ليس بنو البشر مادة صالحة للبحث العلمي ربما أو أن الأمر جاء بسبب هذا الانقطاع الطويل وراء هذه الروابي في مزرعته المنتئية هذه؟ من العجيب أنه منذ البداية ذكر لها هذه المزرعة، واقترح عليها مباشرة أن يأتيا إليها معًا··· واصفًا إياها بـ المزرعة الحديثة أو هو ربما سماها المجهزّةكانت تستمع ضاحكة وموافقة··· بل هي استفسرت قائلة: صحيح؟؟ إعلانًا عن موافقتها، بل في الحقيقة ولهفتها ما كان أجمل ذلك!!
 
- الريح والمطر هما ذا يجوحان في الخارج، وليلة الفصـح المجيد هي ذي تقصـفـها العاصفة العجوز··· هل كان لليلة الفصح علاقة بما حدث؟!··· بمجيئها بعد كل ذلك التيه الحزين؟ بعد ذلك الموات؟···· كانت سعيدة سعيدة فيما يذكر، وعندما قبلها كان ريقها شهيًا ومشتهيًا··· كان نفَسها ساخنًا··· ما أجمل ذلك!!··· أين كان لقاؤهما؟··· اللقاء الذي فاجأه تمامًا!!لعله كان طريقًا عشبيًا يمضي صعدًا على نحو ما···· كانا وحيدين! هل كانت عائدة إلى··· أين؟ و··· وهو لم كان هناك؟··· ربما كانت كلمته الأولى لها: هل تدرين؟··· إني أحببتك طيلة تلك السنوات؟ -         أيتها العزيزة الغالية؟ هل تدرين؟··· ولعلها أجابت (ويا للعجب!)··· أدري، يا لروعة مجهولية إنسان كاريل!··· إذن فهي كانت طيلة كل تلك المدة··· أيضًا تحبه! ولا تبوح؟!··· بعد ذلك تأكد له على نحو قاطع أنها معه··· بجسدها الحبيب، تمشي قربه مبتسمة تلك الابتسامة الأميرية - مرحة سعيدة - فجرؤ واقترب وقبلها، بل هو ربما تشممها أولاً - وأحس بنفَسها الساخن (بل وربما المتشهي) - ثم قبلها فبادلته ذلك بشوق!! ذهل أنه قبلها - وصاحت أعماقه العطشى: كيف؟ كيف؟··· بعد كل تلك السنوات··· ليس فقط أنها معه أخيرًا، يصارحها بحبه وتعترف له بحبها··· بل هـو ذا يـقـبلها وتـقـبله: يشرب ريقها ونفسها الشهي الساخن··· وتكون ضاحكة سعيدة بالاعتراف!! وفي البدء ظل يقول: كيف كنا بعيدين طيلة تلك السنين؟! وإذ توقف لحظة··· قالت: أنا سعيدة سعيدة وإذ زلزلت أعماقه بذلك زلزالاً سعيدًا اقترب وقطف قبلته الأولى (ما أجملها!!) والتي لعلها كانت أولاً مقتضبة، ثم وإذ استقبلتها ذلك الاستقبال السماوي بقبلة معانقة، تشجع فاقتطف أخرى وثالثة، بل ولعله بعد ذلك مباشرة كان اقتراحه أن يلتقيا في المزرعة··· هنا··· وراعى أن لا يبدو متهورًا فيه، وعندما ذكر لها أن المزرعة مجهزّة، تساءلت: صحيح؟ معلنة موافقتها أو ربما لهفتها··· ولكن كيف كيف تمّ ذلك؟! وهل يتعلق الأمر على نحو ما (لاشعوريًا مثلاً!) بليلة الفصح هذه التي تتميز هي بالاحتفاء الخاص بها؟ ربما ربما، كان اللقاء واضحًا وجميلاً وصحيحًا!··· كانا وحيدين··· وكانا سعيدين··· وكانا هما هما: البنت (بل هي الست الكاملة الآن) التي ليست نحيفة ولا ممتلئة، ولا ذات عيون خضراء ولا طويلة ولا قصيرة ولا مسنة كبيرة ولا شقراء ولا سمراء··· بل كانت هي، هي وردة هي التي أجمل من كل ذلك··· كانت هي بابتسامتها، بشعرها الأسمر الأليل، ببشرة بلون قمح السنبلة عند هذا الحصاد القريب، باكتناز الشفتين الحبيبتين··· بملفوف القوام الأخ··· هي هي الحبيبة منذ الثلاثين عامًا··· ولم يكن يحلم··· لقد تساءل بخوف: هل هو في حلم؟؟! أبدًا لم يكن يحلم··هي ذي وردة مشيتها بجانبه··· هو ذا المرج عصرًا(أو ضحى) تلمس نفسه··· بلل بشفتيه آثار ريقها الذي ارتشفه للتو؛ تأكد له أنه لم يكن يحلم·· وسعدبالنتيجة؛ بل هو يذكر أنه مضى هاتفًا:(وأخيرًا هو ذا يلتقي بحبيبته فعلاً فيجدها تحبه أيضًا)··· فلقد كان حبه لها إذًا طيلة تلك السنوات (ومنذ الجامعة) ليس مجرد خيال وأوهام بل لقاء تَجسُّدًا: بمشوار وقبل وريق حلو و نفس ساخن؛ وبزلزال من السعادة؛ فكيف يكون حلمًا؟!
 
نعم ظل يخشى أن يكون كل ذلك حلماً··· تلمس جسده·· تحرك·· لا لا·· هل كان في حلم؟! حرام أن يكون كل ذلك؛ كل تلك السعادة حلمًا··؛ تلك القبلات؛ الأنفاس الشهية؛ الرضى والسعادة باللقاء··· يا إلهي لا تجعل كل ذلك حلمًا··· لا تجعله حلمًا··· لماذا يكون حلمًا؟ لم لا يكون هو ذلك الواقع الحبيب··· لم لا يكون؟ 
 
ماذا يقول أليكس كاريل؟ عاد للسطر الذي كان تركه يسقط على وجهه: ليس بنو البشر مادة صالحة للبحث العلمي  بل ربما لم يكن ذلك بسبب ما كان يقرأ (ولا بسبب الطعام والشراب!) ماذا أكل؟ ماذا شرب؟ ماذا كان آخر ما سمعه في التلفزيون؟·· إن تلك السعادة التي عاشها مع وردة للتو لم تكن سعادة جنسية؛ كانت فقط سعادة باللقاء بطعم الريق الزكي؛ والنفس المشتهى، لم يكن هناك جنس مباشر·· نعم هو تشممها··· لكن ما كان ذلك جنسًا فماذا كان إذًا؟: أن يحتفظ لنفسه - وهو على أبواب السبعين - بكل ذلك الحب لـوردة دون بوح مباشر ولو لمرة واحدة··· إلا ما كان قبل قليل (يا للخسران) وحيدًا هنا قرب نواح العاصفة العجوز، في هذا الليل النيساني الصاخب فوق هذا الجبل النائي·· وراءهذه العتمة··· والفجر القريب، وعواؤهما ينهش عقبيه وعمره·                                 
 
سامتا (عجلون)  2008

الصفحات