أنت هنا

قراءة كتاب ملوك الرمال

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ملوك الرمال

ملوك الرمال

"ملوك الرمال" تتناول هذه الرواية مواجهة بين عناصر لا عسكرية من جيش نظامي (الجيش العراقي) ومجموعة من بدو الصحراء تشكك الدولة في ولائهم لها، الراوي هو أحد أفراد الجيش النظامي، وهو الناجي الوحيد من مجموعته، ويسجل أحداث تلك المغامرة على لسانه.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
-3-
 
كان من المفترض أن يصنع الفجر، والغيوم المهدبة، والملابس الكاكية، والجزمات المطاطية، والقلنسوات الصوفية، وشواجير (6) الرصاص فجراً آخر لهؤلاء الشبان اليافعين، غير أن الأمر كان  مختلفاً هنا في جبهة الحرب، حيث تم تحميلنا في الطائرة الهليكوبتر بسرعة كبيرة، إذ صعد النقيب أولاً ثم المخابر، ثم الإسناد، ثم صعدنا -الجنود- وراءهم، وبعد لحظات، حلقت الطائرة، صعدت شاقولياً، ثم مالت بريشها إلى الشمال لتعبر الخطوط الخلفية، وشاهدنا من الأعلى رايات المدفعية، ومخازن التموين، وآلات الرصد· ثم انعطفت بقوة وبشكل تدريجي في عمق الصحراء·
 
هذه هي المرة الأولى التي أتعرف فيها على الصحراء من الأعلى، كنت أنظر من نافذة طائرة الهليكوبتر وهي تحلق نحو العمق مفارقة خطوط الإمداد، وأسيجة المعسكرات الشائكة، وتندفع أعلى وأعلى حتى تستبين الرمال الذهبية التي تتوهج مع أول خيط  للشمس، تلك الخيوط المنتثرة على مسافة لا تُقاس، والتي جعلتني منتشياً كما لو أن الرمال الذهبية تزنر الأرض بكاملها، حتى زرقة السماء التي تعارض وتناقض اللون الذهبي للرمل، كانت تصنع من الغيوم أهلة تكاد أن تكون مخفية، والنجمة القطبية متوهجة بشكل خفيف، وكنت أدرك أن هذه النجوم التي تخبو مع وهج الصباح، كانت قد عرفتها شعوب الصحراء من الساميين منذ آلاف السنين، وهي التي دلتهم في أكثر الليالي حلكة على الاتجاه الصحيح، وهذا القِدَمُ هو الذي جعلني ذلك اليوم منتشياً··
 
لقد شعرت بالتماس مع هذا الرمل، وكأني أذوب في نوع من السرِّيَّة المطلقة، لقد شعرت وأنا في الأعلى بلحظة غياب مكشوفة مع الصحراء، وأحسستُ بأصابعي تستدفئ بهذا الوهج القادم من الرمل أولاً، ومن الشمس ثانياً، ومن المدار ثالثاً، وكأن الصقور التي يخشاها الطيارون تفر من خاصرة الرمال لتوقظ في التجرد المديد أنداء الأقاصي، هنا السماء شاسعة حيث لا يوجد ماء، ولا صخب، ولا مدن تحت بحار السحب، إنه برد الفضاء العظيم والمنبسط مثل الصحراء، وهذا الستار الخرافي لقداسة المحاريب، والسر الغامض لارتعاشات البدايات المبكرة·
 
كنت أنظر، من الأعلى، كثبان الرمال وحيدة، مترملة، متمتعة بالفقدان، وهي تنساب في توحشها المدهش لتتماهى بهدوء كامل مع كل ما يتدفق من جهة الشمال، متحدة بالتيه، ومعزولة عن الخليقة برمتها···
 
كانت الطائرة تحلق، وأنا أبصر ألسنة اللهب القصيرة وهي ترتفع من الحطب المشتعل بين الكوانين، أنظر البدو مثل النمل بين التلال لا يقتربون من الجهة الأخرى للصحراء لأنها محاذية للمدن·

الصفحات