أنت هنا

قراءة كتاب صخرة هيلدا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
صخرة هيلدا

صخرة هيلدا

رواية "صخرة هيلدا" الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر والتي سبق وان اصدرت للكاتبة هدية حسين عدد من الروايات والمجاميع القصصية؛ صخرة هيلدا تتطرق فيها الكاتبة لموضوع جديد وغريب على الرواية العراقية بشكل خاص والعربية بشكل عام تحاول فيه توثيقه باسلوب اد

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1

صخرة هيلدا

دويٌّ·· دويٌّ·· دويٌّ
دويٌّ في السماء
دوي على الأرض
دوي في رأسي، والناس في هياج يركضون ولا يعرفون أين يولّون الوجوه والخطى، أصحاب السيارات يغيرون المسالك لعلهم يصلون إلى أماكن آمنة، ولا أمان، وأنا أصرخ، كأن سياطاً تضربني على ظهري، أو سيوفاً تتسابق لحز رقبتي·· أرى في الأفق غيمة حمراء، تتشكل من دم يهمي كما المطر، يتكاثف نهر الدم تحت قدمي، يتصاعد إلى ركبتي وأنا عاجزة عن فعل أي شيء لإنقاذ نفسي من نهر الدم الذي سيصير بحراً في غضون أيام·· 
خرائط غرائبية من أشلاء بشرية تعلو وتسّاقط على الأرض والحيطان وأغصان الأشجار وأعمدة الكهرباء وسطوح الأبنية كأن السماء تمطر جثثاً·· هل يمكنني نسيان ذاك المشهد؟ وكيف لي أن أشطبه من رأسي المبتلى بالصخب؟ جسد من دون رأس، ورأس مقطوع مفتوح العينين بنظرة رعب متسائلة، هل كانت تحدق بوجه من يحز رقبتها، أم كانت تبحث عني وترتعب أن يؤول مصيري إلى المصير الذي آلت إليه؟ دائماً أجدني واقفة على ضفاف ذاك النهر الدموي بجانب جثة أمي، على الرغم من أنني شاهدة على مواراتها التراب منذ سنين، أعيد الرأس المقطوع إلى الجسد المحشور في ثوب القسطور الأخضر، فيستقر الشعر الطويل على الكتفين، وأتذكر كيف مرت ستة أيام من دون دفن، فالطرق إلى المقابر غير آمنة ولا أحد يمكنه التنبؤ بما سيحدث، اقترح عمي دفنها في حديقة البيت مؤقتاً لكنني رفضت، بدأت الرائحة النتنة تتسرب من جثة أمي، أكاد لا أصدق هذه النهاية المفجعة لامراة عاشت حياتها بين الروائح العطرة·
يلاحقني الدوي والخطوات المريبة، أركض مع الراكضين، ثمة أبنية ما تزال آثار المعارك تنخرها، مهدمة أو مثقبة بفعل الرصاص والقاذفات، وعربات متروكة، وأخرى تأكلها النيران، والهاربون بسياراتهم يسلكون طرقاً ملتوية، خوفاً من السيطرات الوهمية لرجال ملثمين وغير ملثمين يحملون كل أنواع الأسلحة، مدينتي تدخل الشيخوخة بوجه مشوّه، جلد مصاب بجدري الحروب، وأنا أحمل حقيبة صغيرة وضعت فيها أوراقاً رسمية لا بد منها، وأحمل أيضاً صندوقاً كبيراً وثقيلاً كانت محتوياته تتضخم سنة بعد سنة وتشل إرادتي، ولم ينفع كل ما فعلته للتخلص منه؛ فقد فرض عليّ وجوده وأبى إلا أن يحمّلني عناء ثقله، قلت لا بأس ما إنْ أعبر الحدود حتى تسّاقط أسماله وتموت، لكن الأمر استغرق وقتاً أطول مما ظننت، عبر الحدود معي، دون أن يشاهده أحد أو تكشفه أجهزة الرصد، وثمة صوت لا يفارقني منذ سنوات يزن في رأسي ويتلاعب بي ويأخذني بعيداً ولا يعيدني إلي·
 لم يعد أمامي سوى الرحيل بعد مقتل أمي، وكنت بحاجة لأن أعيدني إلى نفسي، بعيداً عن أنهار الدم، وبعيداً عن كل الذكريات التي تراكمت في صندوق رأسي الثقيل، وأريد الانفلات من ذاك الزمن المتوحّش وسديم البلاد·

الصفحات