أنت هنا

قراءة كتاب يا صاحبي السجن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يا صاحبي السجن

يا صاحبي السجن

رواية "يا صاحبي السجن" للشاعر والروائي الأردني د. أيمن العتوم ، صدرت في طبعتها الثالثة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر للعام 2013، وتحكي الرواية تجربة الشاعر بين عامي 1996 و 1997.

تقييمك:
3.66665
Average: 3.7 (3 votes)
الصفحة رقم: 1
{مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها}
 
كم أضعنا أنفسنا في متاهة الحياة··· ولكنّنا التقينا بها مصادفةً أو قَدَرًا ونحن ننبش ذكرياتنا··· نحن ما ننسى فنغفو في ذواتنا، أو ما نتذكّر فنصحو على فجائعنا وخيباتنا··· لم يكن الإنسان - يومًا - ما يأكل أو يشرب؛ مثل ذلك تفعله الحيوانات والدّوابّ··· إنّنا ما نحاول أن نتذكّره فنعيش من جديد؛ ولأنّ الذّكريات استعادةٌ للإنسانيّة حين تغيب في ممرّ السّنين اللّولبيّ، خرجتُ من ذاتي العميقة، لأروي لكم فصلاً من حياتي بعد غيابٍ طَوعيّ طويل···
 
كثيرًا ما كنتُ أتساءل عن جدوى ما أقوم به الآن··· فقد صرختُ في وجه كينونتي مؤنّبًا: مَنْ كان مستعدًّا أن يسمع صدى صوتك وأنت تصرخ في الجبّ، وحده القابع في قعر تلك البئر كان ينادي بلا مجيب، ويصرخ ويذهب صدى صُراخه هباء··· وحده كان يستمتع بجدران البئر المطليّة بغبار السّنين، وفي كلّ ذرّة من هذا الغبار المتناثر حوله وبين يديه كان يرى قصّة أو حكاية جديرة بأن تُروى··· غير أنّه يستيقظ من أحلامه ليصرخ فيها من جديد: لِمَن تُروى؟ ولماذا؟ وهل من أحدٍ حين تناديه سوف يُصيخ لك السّمع؟!
 
ما أصعبَ أن يجمع المرء من الغبار المتناثر في الأجواء خيوط الحكاية! لِيُعيد نسجها، وتَخرُجَ ثوبًا جديدًا قد حِيك الآن، وليس كما لو مضى عليه أكثر من أربعة عشر عامًا··· غير أنّ الألوان قد تبدو غيرها إذا لم يُحسن المرء الأناة في الاختيار، ويغوص في الماضي بتؤدةٍ من أجل أن يكون أمينًا··· أمينًا لأنّ التّاريخ شاهدٌ ولن يرحم المُزايدين، ولن يغفر للكَذَبة··· ها هو يحاول - ما استطاع - أن يكون ذلك الّذي توقّف عنده الزّمن خارج الحياة وداخل قضبان السّجن في تلك الحقبة من حياته···
 
في لحظات الصّمت الرّهيبة، كان يحدّق في الأفق، وأيّ أفق تحمله البئر المسكينة؟ لكنّه ببصيرة جاءت من السّماء تكشَّفَ له هذا الأفق عن مدى واسع··· اخترق المسافة الشّحيحة عند أوّل اصطدامٍ بهذا الجدار الأبله، لكي يصنع أفقه الخاصّ به، أفقه الّذي امتدّ بعيدًا بعيدًا··· وصنع فيه حكايات وحكايات···

الصفحات