أنت هنا

قراءة كتاب العيون السود

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العيون السود

العيون السود

رواية (العيون السود) للقاصة والروائية العراقية ميسلون هادي الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت الطبعة الثانية عام 2011، تنتمي ثيمة رواية (العيون السود)، لفترة التسعينات في العراق ومارافقها من أحداث تداولتها تلك السنوات وسيطرت على انشغالات ال

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
- 1-
 
الجهنمية توردت وجرى لون الجحيم في عروقها فتفجرت أغصانها الخضراء المتسلقة فوق القمرية، عن ورود حمراء يانعة تتدلى على شكل عناقيد تتساقط منها بين حين وآخر أوراق رقيقة جففتها الشمس فهوت خفيفة ميتة إلى الأرض·
 
- زبالة·· إنها تحيل المرآب الى زبالة·
 
قالت الخالة كثيرة الشبه بمها صبري وهي تدفع الورق اليابس المتساقط على أرض المرآب بمكنسة يدوية ذات عصا طويلة، تشبه القامة الفارعة لحافية القدمين سامية جمال· كانت يمامة تجلس في أرجوحتها العاطلة التي تتدلى فوقها أغصان الياسمين والعنب الحلواني وثمار العرموط، وتراقب خالتها كيف تنحني على الورق اليابس بين الحين والآخر وتكوّمه أمامها، ثم تدفعه بشعر سامية جمال إلى المكرفة وتحمله إلى برميل القمامة·· 
 
يمامه هي البنت الوحيدة والصغرى للعائلة·· أصبحت في الخامسة والثلاثين وما زالت صغرى·· ماتت جدتها وماتت أمها ومات أخوها الأصغر ثم تزوج اثنان من إخوتها وهاجرا، أحدهما إلى اليمن والآخر إلى نيوزيلندا مثل قيصرين عبرا نهر الربيكون إلى غير عودة·· أما أبوها فظل يقرأ سورة ياسين بالقرب من رأس ابنه، وينظف مرمرة قبره من الغبار وأوراق اليوكالتبوس المتساقطة فوقه، وأحياناً يقتطع الأدغال من حوله ويزيح حفنات جديدة من التراب في شق محفور بالقرب منه، إلى أن جاءه الموت، فلم يكلفه إلا ملابس بيضاء جديدة وخطوتين صغيرتين إلى تلك الحفرة·
 
أزمنت صورهم، الأحياء منهم والأموات، على جدران غرفة المعيشة، ثم أخذ يحدث شيء غريب لتلك الصور لم تجد له يمامة تفسيراً في البداية، ولم تعثر على تساؤلها عنه على جواب إلى أن اكتشفت الصور كلها مكومة فوق بعضها البعض داخل كرتونة صابون فارغة مرمية في زاوية المخزن· كانت يمامة كلما تأملت إحدى تلك الصور وأمعنت النظر فيها اختفت من فوق الجدار·· وتركت وراءها فراغاً نظيفاً أفتح من لون الجدار الذي شابته الأوساخ والأتربة· في البداية اختفت صورة أبيها، ثم اختفت صورة جدتها، ثم اختفت صورة أمها، وبعدها صورة أخويها، وأخيراً صورة أخيها الصغير التي كانت قد مكثت على الجدار لفترة أطول، إكراماً لاستشهاده، قبل أن ترفعها الخالة وترميها إلى كرتونة الصابون الموضوعة فوق تل من صناديق مليئة بالدمى والألعاب والألبومات والملابس الثقيلة والكتب المدرسية والحقائب، والأحذية والتحف المنزلية والستائر والأواني والكهربائيات، وكلها كانت ذات يوم تجعل منزلي أخويها يشرقان بالحياة·· واليوم هي مرمية في تلك التوابيت الكرتونية، التي وضعت على شكل تل منخفض يتربع في القمة منه ذلك الصندوق الفواح بعطر الصابون، وتحته مباشرة باكيت كبير زهري اللون، ومرسومة عليه في جميع الجهات صورة لباربي وهي تجلس أمام منضدة الزينة، وتمشط شعرها الذهبي اللامع الطويل·

الصفحات