أنت هنا

قراءة كتاب أساتذة الوهم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أساتذة الوهم

أساتذة الوهم

"اساتذة الوهم"، رواية للروائي العراقي المقيم في بروكسل علي بدر، صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر؛ تكشف هذه الرواية عن صفحة مخفية من الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية في بغداد الثمانينات، المقاهي الادبية، التجمعات الشعرية، الحياة المدنية تحت الحر

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
البداية
 
شباب يحلمون بالشعر ولا شيء آخر 
 
مشهد من بغداد في العام 1987
 
كنا ثلاثة: منير، عيسى وأنا، نقف قبالة مقهى صغير، في زقاق قاتم ومعتم، يتفرع من شارع أبي نواس، كانت أرضية المقهى قذرة، منفّرة، كأنها أرض خمارة، وضياء المصباح الليموني يرتسم على وجوهنا ناعماً ورقيقاً·
 
عيسى بدا حزيناً ذلك اليوم بوجهه المتعب المهزوم· ومع انهمار قطرات المطر الغزيرة، انتابه شعور بالتردد· تمتم بكلمات غير مفهومة، وهو يسحب نفساً من سيجارته· بعد لحظات رمى عقب السيجارة في الماء المتجمع عند رصيف الشارع· 
 
كان منير يضع كتاباً سميكاً لكاتب انجليزي ذائع بين الشباب تحت إبطه، مسح أنفه المحمر من البرد ثم خبَّأ يده في جيبه: نعم لقد مطرت كثيراً هذا اليوم قال بصوت خفيض كأنه صوت منجم· فرفع عيسى رأسه لينظر نحو الغيوم التي تنثّ رذاذاً متلاحقاً ومسح الماء عن وجهه· 
 
قلت لهما: ظننت في البداية أن من الأفضل ألا نقوم بهذه النزهة؛ لأنّ الجوّ رطب وسيء، ولكن ما إن قرأ عيسى قصيدته حتى تغيرت·
 
فرح عيسى للأمر وقال هذا المقهى مزدحم بسبب المطر فلنذهب إلى مكان آخر، فاقترح منير أن نذهب إلى المقهى البرازيلية في شارع الرشيد· 
 
كانت شمس الشتاء مختبئة وراء كسف من السحاب، لا تسدل إلا غلالة باهتة من ضوء ضئيل شاحب على شوارع تحف بها بنايات ذات واجهات حجرية، ونوافذ كبيرة، وشرفات بللتها الأمطار، والآن تصفر في جوانبها الرياح· ومع أننا كنا مبلّلين تماماً تحت السماء الرمادية، إلا أن ذلك لم يشغلنا عن متابعة حديثنا أو التجول في شوارع بغداد· كنا نسير بهدوء تحت الغيوم التي نثت نهراً من الماء غسلت به الأشجار، ومظلات المحلات الملونة، والمصطبات الخشبية المتناثرة في حدائق شارع أبي نواس، بينما كان نهر دجلة في متناول نظراتنا قد انتفخ حتى فاضت المياه على جنباته· 
 
 دخلنا زقاقاً صغيراً قادنا من شارع أبي نواس المطل على نهر دجلة إلى شارع السعدون المزدحم بالسيارات المغسولة· توقفنا قليلاً عند مكتبة صغيرة تبيع بعض الكتب الأجنبية قرب سينما سميراميس· ثم انطلقنا في الشارع بهدوء حيث كنا نتوقف عندما تعبر سيارة وهي تحرك ماسحاتها على زجاجاتها الأمامية يميناً وشمالاً· 
 
كان هنالك حشد من الجنود والموظفين يسرعون نحو الباص المتوقف في ساحة النصر· أما نحن فقد قطعنا الطريق وتجاوزنا صفاً من الأشجار محاذية لمصرف الرافدين، ولشركة برنستون للإطارات الأميركية، في أعلاها صورة إطار كبيرة تحف به الحروف الإنكليزية المرسومة بالأسود والأحمر·
 
عبرنا معاً شارع السعدون متجاهليْن السيارات التي تمرق بسرعة· أخرج عيسى لفافة ورق من جيبه، في حين كان يقبض بيده الأخرى كتابه· أما أنا فقد انشغلت بإشعال سيجارة أخرجتها من جيب قميصي، وأخذت أقفز فوق بركة ماء صغيرة هي بقايا ماء مطر متجمع في الشارع الإسفلتي· عندما وصلنا الرصيف رافقت خطواتنا المتسارعة ضحكة سكير يجلس على دكة في الساحة· 
 
 كانوا ثلاثة سكيرين أو أربعة، يجلسون على دكة كونكريتية، وكانت قنينة العرق تنتقل من يد إلى أخرى، يتنفسون برتابة، وعيونهم تومض بثمل ناعس في هذا الجو الكئيب، والممطر· أحدهم ينظر إلى مؤخرة امرأة تعبر الشارع، وخصل شعرها السوداء مبللة· 

الصفحات