أنت هنا

قراءة كتاب أصل الهوى

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أصل الهوى

أصل الهوى

رواية "أصل الهوى"؛ قالت له، بعدما اغتسلت وارتدت ملابسها بسرعة، إنها سترجع إلى طليقها، فهذا أفضل لها ولطلفها. سيغادران إلى عمّـان قبل الحرب ومنها إلى الولايات المتحدة، فطليقها يحمل الجنسية الأمريكية.

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 3
فوق التلفزيون، ربضتْ صورة الرفاق الأربعة الذين رافقوه منذ زمن، يضحكون له وللحياة كما ضحكوا بالأمس، وأمس الأول والأمس الذي سبقه، مطمئنًا، شبه واثق من أن ضحكتهم لن تتوقّف غدًا، وبعد غد· لم يكبروا، فما زالوا فتيةً وسيمين بالأبيض والأسود، لم تخاصم بنطلوناتهم وقمصانهم الستينات المتأنقة دون كلفة، كما لم تأتِ عليهم أنواء الأيام وأهوالها، فحافظوا على جِدّة إطلالتهم وطزاجة النظرة، على الأقلّ في الصورة، منتشين بعفوية اللحظة ذاتها التي تجمّدوا فيها· وقفوا على كورنيش أطلتْ من خلفه من بعيد أبنية ذات معمار متوسطي الطابع متجاورين، باسطين أذرعهم فوق أكتاف بعضهم بعضًا، متداني الرؤوس، شبه ملتحمين، كي يظلوا جميعًا في مدى العدسة· ارتفعت من ورائهم موجة كأنهم استشعروها، ذلك أنهم تأهّبوا للهرب سريعًا بعد التقاط الصورة، ليغمر رذاذها المرتدّ من سور الكورنيش الواطئ قهقهاتهم العالية· كان فراس قد سأله عن هوية الأشخاص في الصورة· اعتقد أنه استطاع أن يميّزه بينهم· أشار إلى الثاني من اليسار، كونه في عشريناته الماضية أقربهم إليه في خمسيناته الحالية، وإن كان شعر الأمس الكثيف لا يتنبأ بصلع اليوم، حيث القحط شبه كامل· لكنه هزّ رأسه نافيًا أن يكونه· إياد ميّزه بثقة أنه الأول إلى اليمين· فهو الأكثر شبهًا به، إذا ما هذّب البصر آثار السنين، لا لأنه أميل إلى الاقتداء بصلعته فحسب، ولكن لأنه الأقرب في مقاس القامة إليه· لكنّه نفى أن يكونه أيضًا· لم يقل لفراس أو لإياد أي واحد هو من بينهم، كما لم يروِ لهما قصة الصّحب البعيدين·
استشعر توتّرها وتيبّس جسدها، فخفّ توتّره وانبسط جسده· ثنى ساقه اليسرى تحت اليمنى وأراح ظهره على الكنبة المزدوجة التي جلس عليها وحده، في حين اتّخذتْ هي وضعيّة قائمة، متحفزّة، في الكنبة المفردة قبالته، وقد لزّتْ قدميها إلى بعضهما، شابكةً يديها ببعضهما، دون أن تسمح لجسدها الضئيل بأن يتحرّر من يقظته المصطنعة· لم يتهيّأ له أنها خائفة، وإنما على استعداد كي تنهض على الفور وتتوجّه إلى الباب الخارجي، تفتحه، تخرج، تصفقه بعنف، وتمضي مسرعة دون أن تنظر خلفها· لكنها لن تخرج، فهو لم يحسم أمره بعد· ثم إنها معتادة على مثل هذه الأشياء· بكل تأكيد هي معتادة· على الأقل، لم يرتدِ وجهها أية تعابير من أي نوع· لم تحمرّ خجلاً، كما لم تصفرّ خوفًا أو تبهت، فوق بهتانها الخلْقي، من الرهبة، أو تتسع عيناها حذرًا وترقبًا· من مثلها تخلع تعابيرها، فهذا من مستلزمات الشغل· لها أن تخاف وأن تضطرب، لكنها لا تستطيع أن تفصح عن خوفها، في هيئتها، أو تسمح لاضطرابها بأن يشي عن نفسه· شاشة عقلها مكتظّة بالحسابات والاحتمالات والأفكار التي تعمل بسرعة· لها أن تفكّر بالهرب، لكنها يجب ألاّ تهرب· ليس الآن·

الصفحات