أنت هنا

قراءة كتاب يمامة الرسام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يمامة الرسام

يمامة الرسام

  "يمامة الرسام" مجموعة قصصية للكاتب العراقي علي عبد الأمير صالح، صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2010؛ نقرأ منها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
وهكذا صدر قرار بإلقاء القبض على فناني بلادنا كلهم، رسامين ونحاتين، فمن سواهم يجرؤ على سرقة تمثال صاحب الجلالة··· وعقب صدور المرسوم الملكي شرع رجال الشرطة يطاردون كل شاب أو شيخ ملتح، رث الثياب ممن يشك بكونه من هذه الزمرة الخبيثة، التي درس أغلب أفرادها، وأنا واحد منهم، في عواصم أوربية، وعدنا من هناك بأزياء وتسريحات شعر وقلائد وأساور لا تمت بصلة لتراث بلدنا المعروف بالعباءة والعقال··
 
كانت هيئتنا اللامبالية، الساخرة، الناقمة، الداعرة غالباً، تثير حفيظة الشرطة الملكية فيلجأون إلى مضايقتنا، وقطع القلائد المعلقة في أعناقنا، وإزاحة القبعات عن رؤوسنا (كم كانت رؤوسنا تغص بالأفكار والأخيلة والأحلام !)، كما يقومون بصبغ سيقان زميلاتنا الفنانات العارية البضة؛ الفنانات المشاكسات اللواتي كن يسرحن هنا وهناك، بتنورات قصيرة، وأحذية ذوات كعوب عالية؛ فنانات جريئات، متعطشات للحياة، بنهود متمردة تخلت عن حمالات الصدر كونها رمزاً من رموز العبودية·
 
كان سلوك البلاط الملكي منطقياً تماماً، فما معنى أن يرفض فنانو بلد بأكمله صنع تمثال أو رسم صورة شخصية لحادي ركبهم، غير كونهم عصاة متمردين· ولم يكن أمام السلطات الملكية سوى خيار واحد، وهو صناعة التمثال في الخارج·
 
الواقع، رفض الفنانون أن يتحولوا إلى مرتزقة، وراحوا يقيمون معارضهم البسيطة في المقاهي وفي الساحات العامة والمتنزهات·· كنا نبيع لوحاتنا المرسومة بالألوان المائية والزيت، كنا نضحك ونثرثر وندخن بشراهة، ونتقاذف علب البيرة الفارغة· فتفاقم الحقد علينا، وتحين البلاط الملكي الفرص للإيقاع بنا، وها قد جاءت فرصته، ويا لها من فرصة ذهبية !
 
اقتادونا إلى سجن واسع آيل للسقوط، ذي غرفات رطبة محتبسة الهواء· لم نرَ هناك نور الشمس أبداً·· يقع السجن في أطراف المدينة بين غابات النخيل؛ ثمة طريق ترابية تؤدي إليه من الشارع الإسفلتي، وُضعتْ في بدايته علامة مرورية بارزة كُتب عليها بخط أحمر واضح: طريق خاص· وثمة نقطة حراسة في ملتقى الشارعين، يتناوب فيها عسكريون أشداء ذوو نظرات صقرية· كان هدف تلك العلامة المرورية هو تضليل مواطنينا أو الأجانب الذين ربما يأتون للاطلاع على أحوال السجناء ورفع تقارير عنهم إلى منظمات حقوق الإنسان·· خاصة أن هؤلاء السجناء تربطهم علاقات صداقة وطيدة مع فنانين وأدباء ومثقفين من خارج البلاد قد يلجأون للمطالبة بإطلاق سراحنا، ويقيمون الدنيا ولا يقعدونها، من أجل حريتنا وكرامتنا·

الصفحات