أنت هنا

قراءة كتاب يمامة الرسام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يمامة الرسام

يمامة الرسام

  "يمامة الرسام" مجموعة قصصية للكاتب العراقي علي عبد الأمير صالح، صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2010؛ نقرأ منها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 6
نغرس الأسنان عمودياً في مادة صمغية تستخدم لصيد الفئران·· نتابع اللعب·· بعضنا يتفرج على المباريات ويصفق ويضحك·· كنا نتابع المباريات واقفين أو مقرفصين، من يرانا يحسبنا مجانين جيء بهم إلى هذا المكان بطريق الخطأ·
 
إبان تلك السنوات الرهيبة بدأنا نعرف ماذا يعني أن تأكل حساءً بارداً مثيراً للغثيان تعافه حتى الكلاب·· بدأنا نعرف ماذا يعني أن تصاب بالجرب وتبدأ بحك رأسك وجلدك ليل نهار من دون أن تجد دواءً شافياً·· كان الطبيب العسكري يزورنا مرة كل أسبوعين، ويعطي كل عشرين مصاباً عصارة واحدة كي يمسحوا بها جلودهم·· كان يطلب منا أن نغسل أجسامنا وثيابنا·· يا له من رجل أحمق ! أي نظافة تلك التي يخرف بها؟ الأولى بهم أن يقدموا لنا طعاماً لائقاً قبل أن يطالبونا بأن نكون نظيفين··
 
كنا نتبول في دلو واحد ونتبرز في دلو آخر·· نتناوب رمي البول والبراز·· أحياناً إذا كان الدلوان غير مملوءين يقوم أحدنا بمزج محتويات الدلوين في دلو واحد يحمله بحذر إلى الخارج، فيسأله الحارس باستغراب: أين زميلك الآخر؟ يجيبه صاحبنا بحزن: في الداخل· ولماذا لم يأتِ؟ يناكده السجين بسخرية: رفض المجيء·· وحين تظهر علامات الانفعال على الحارس يستدرك الرسام قائلاً: لا عليك، أنا قمت مقامه· ملأت الدلوين معاً·· يرد الحارس بارتياح: هي ذي إذاً·· الويل لكم إن تبرزتم على الأرض أو لطختم الحيطان· يعض الرسام على نواجذه ويتمتم في سره: إذا نُصب تمثال ثان للملك سنلطخه بالبراز·· سنفرغ أمعاءنا فوق رأسه· نشرب البيرة المثلجة ونغرقه ببولنا··
 
وفي شتاء إحدى تلك السنوات البغيضة بدأنا ننفث دماً·· كان شتاءً شديد البرودة، لم نر له مثيلاً في حياتنا كلها··· أسناننا تصطك وأوصالنا ترتعد، لم نكن نملك ما ندثر به أجسادنا وندفئ به عظامنا·· وازدادت آلام المفاصل وبدأت تقض مضاجعنا·· كلما يأتي شتاء جديد نعرف أن سنةً جديدةً حلت علينا··
 
في ذلك الشتاء أُصبنا بذلك المرض اللعين·· شرعنا نسعل ونسعل ونسعل·· ومع أننا كنا نواصل لعب الشطرنج بشوق يتناقص رويداً رويداً ونتفرج على الدسوت بحماسة تتضاءل شيئاً فشيئاً، إلا أننا كنا في الواقع نعاني من مرض خطير أخذ ينهش رئاتنا المتعطشة لهواء نقي عليل· وأمسى الشحوب والهزال صفتين بارزتين لكل واحد منا، بدأت حيويتنا تتبخر يوماً إثر آخر، وشرع حزن ثقيل يهيمن على أفئدتنا الكسيرة، ومع أننا كنا نضحك ويضايق أحدنا الآخر بحسن نية إلا أننا كنا نكتم أوجاعنا ونسيطر على اليأس الذي شرع ينهش أرواحنا··

الصفحات