أنت هنا

قراءة كتاب يمامة الرسام

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
يمامة الرسام

يمامة الرسام

  "يمامة الرسام" مجموعة قصصية للكاتب العراقي علي عبد الأمير صالح، صادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2010؛ نقرأ منها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8
في ذلك الفجر التموزي، تنشقنا بعد سنوات طويلة ثقيلة الوطأة هواء الحرية·· وأخيراً هواء الحرية، هواء الحرية يا صديقي السريالي !! هذا ما همست به لصديق طفولتي·· فيما كن نحث الخطى بين أشجار النخيل·· المدينة نائمة، الحرية وحدها التي بكرت في النهوض فجر هذا اليوم··
 
ناولتنا عجوز موشومة الوجه رغيفين حارين·· كانت تخبز أرغفة الصباح في تنورها الطين·· رحنا نغذ السير ونأكل الخبز بنهم·· آه ما أطيب خبز أهلينا الحار·· وداعاً يا حساء الكلاب·· مرحباً بك أيتها الحرية·· مرحباً بكَ يا خبز أهلينا··
 
اختبأنا في منزل ريفي نحو أسبوعين، ريثما تهدأ موجة المطاردات والتفتيشات في البلدة·· كان الفلاح ذو الوجه المجدور يقدم لنا التمر ويسقينا اللبن في طاسات النحاس الأصفر· بدأنا نستعيد بعض عافيتنا التي فقدناها في السجن·· كان ذلك أمراً ضرورياً جداً، فمرحلة البحث عن الحرية طويلةٌ جداً وشاقة جداً· لم نكشف للقروي عن هويتينا بل قلنا له إننا سجينان هاربان من قبضة الملك·· وكان هذا أمراً كافياً كي يضيفنا في بيته الطين·
 
وفي غروب يوم من أيام آب (أغسطس) انطلقنا جنوباً، إلى قرية صغيرة غافية في الهور·· كان صديقي قد قضى مدةً من سنوات صباه هناك، مع خاله صانع الزوارق الخشبية·· هناك يمكننا أن نسترخي ونأكل السمك المملح والجبن المجدول كالضفائر· يمكننا أن نعمل معه، سيما أننا نملك مهارات يدوية وذائقة فنية قد تنفعه في بعض تفاصيل عمله··
 
اختلقنا أكاذيب جمةً للهرب من أيدي السلطات·· كنا نترجل من المركبات قبل وصولنا نقاط التفتيش، ثم نقطع الأميال مشياً على الأقدام، بين الأشواك والعاقول، ونعاود الركوب في السيارات العمومية·· وحين وصلنا إلى تلك القرية فجر اليوم التالي فتحنا أزرار أثوابنا ورحنا نتنفس الصعداء·· وراودتنا رغبة عارمة في الرقص·· رغبة مفاجئة لم نحسب لها حساباً·· كدنا نرقص طرباً لولا خشيتنا من أن يتهمنا أهل القرية بالجنون·
 
لم يتعرفْ الخال على ابن أخته بيسر·· استغرق في التفكير لحظات قلائل وهو يتأمل وجه صديقي، أهو حقاً ابن شقيقته، ذلك الصبي النزق الذي كان يقضي عطلته الصيفية هنا يعابث بنات القرية ويرميهن بالسهام·· كيف وصل هذا الصبي الذي صار رساماً ـ كما سمع ـ إلى هنا؟ عرف أنه يقبع في أحد السجون؛ ترى كيف وصل إلى هذه القرية الجنوبية المليئة بالحشرات الضارة الطائرة؟
 
كان خال صديقي قد بدأ يشيخ، على ما يبدو، ضعفتْ ذاكرته وكلَّ بصره·· صافحنا ورحب بنا بطريقة أهل الأهوار·· مس كتفه المحدودب قليلاً بكتف كل منا، ونادى على صبي صغير ذي دشداشة طويلة مخططة ووسخة أن يأتينا بقدحين من الشاي·

الصفحات