أنت هنا

قراءة كتاب عطرية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
عطرية

عطرية

رواية "عطرية" للكاتب السوري ابن الجولان معتز أبو صالح؛ الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر - بيروت عام 2004، نقرأ منها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6
-2-
 
كانت الحكاية تلبس الأشخاص جيلاً بعد جيل لتصنع لهم ما شاءته كلماتُها، ويمضي الزمن موكبًا بعد موكب· في كلّ موكب تعود الحكاية على نفسها· ففي كلّ شهر، يوم احتقان الينابيع باللّون الأحمر، يشقّ موكب الملك إحدى جُزُر عطريّة، ويجعل الناس ضفتين لموكبه من أوّل الجزيرة حتّى آخرها·
 
في أحد الصباحات الربيعيّة، كان على الحكاية أن تمرّ كما كانت· لكن كان هناك منْ قرروا أن يدخلوها كما شاءوا·
 
انطلق الموكب في جزيرة الزنبقة· وكالعادة، فَرَسان مزيّنتان من الرأس حتى الحوافر تجرّان عربة الملك المكشوفة، وخلفها ثلاث عربات كبيرة في داخلها أكياس من الهدايا الثمينة، الّتي ستوزّع على النساء، وخلف العربات ثلّة من الجنود·
 
سار الموكب على مهل، والملك واقف في عربته العالية أعلى ممّا يحيطه· رافعًا صولجانه، يلمع تاجه الكبير فوق رأسه، ومن فتحات صغيرة التمعت أسفل التّاج تدلّت جدائل شعره حتى كتفيه· كان يلبس عباءته المصنوعة من جلد النمر، وقد زركشتها الأيدي بخطوط واضحة من الذهب· ينظر إلى الأمام ورأسه ثابتة كتمثال، لكنّ ابتسامته العريضة بدت واضحة خلف شاربيه الضخمين، وقد انفتلت، من فرط كبريائه، نهايتهما إلى أعلى·
 
كان الموكب، كالعادة، منظّمًا للغاية؛ اصطفّت النساء على الجانبين بانتظام، صفوة مختارة منهنّ· وبالتحديد أولئك اللواتي لا تقلّ أعمارهن عن الثامنة عشر ولا تزيد على الأربعين· فقد كانت كلّ أُنثى، يتوافق عمرها مع هذا الشرط، مجبرة، بحكم المعتقدات، أن تنتظم في أحد الصفّين وعلى رأسها طوق من الورد، وإلا سيعاقبها الإله مرجان·
 
خلف صفي النساء تحتشد الجماهير كي تؤدّي طقوسًا متنوّعة من الرقص والغناء احتفاءً بالملك· زغاريد النساء تدوّي في الفضاء ثمّ تعقبها هتافات الرجال أحيِ الينابيع وأحيِنا يا مرجان، وتتواصل بلا انقطاع·
 
في وسط تلك الجلبة، التفت أحد الجنود السائرين خلف الموكب نحو جنديّ يسير بمحاذاته، وحاول أن يقول له شيئًا لكنّه لم يستطع· لماذا اليوم بالذات أشعر بالاختناق؟ لقد دفنت الحكاية في صدري وأَلِفت السير في الموكب كتلك الخيول التي تجرّ العربات، دون حاجة ملحّة لفهم ما يجري· لكنّ الموكب اليوم غريب عمّا كان! همس، واستطرد لا بدّ أنّ أمرًا لا نعرفه على وشك الحدوث· نظر إلى السماء، وهمس لنفسه ثانية: حتى السماء غريبة، الأسود يقتل زرقتها الربيعيّة، وغريبة أيضًا الرياح الخفيفة التي تحمل في صوتها الخافت أنينًا لم أسمعه من قبل· التفت مرّة أُخرى نحو الجنديّ الذي يسير بجانبه وقال:
 
- ما أشبههم بالقطيع·· إنهم لا يفقهون شيئًا·
 
فقال الآخر مستغربًا:
 
- ماذا قلت؟
 
أجابه بصوت حزين وساخر:
 
- لقد انتحرت زوجتي·
 
هزّ الآخر رأسه وقال:
 
- لا شك أنك تهذي، هل صرعتك الضجة الّتي حولنا؟
 
أضاف الجندي الحزين كأنّه لم يسمعه:
 
- قل لي يا صاحبي، هل تدري ماذا يجري حولك؟
 
- بالطبع، أنا ابن عطريّة ومطّلع على طقوسها· وما يحدث الآن كنت شهدته مرارًا وتكرارًا·
 
- حسنًا، قل لي بالضّبط، ماذا شهدت مرارًا وتكرارًا؟
 
- أرى أنك قد ضجرت من الموكب وتريد أن تتسلّى، ثم ما بالك؟ من الخطر أن تستخفّ بهذا الحدث العظيم وإلا··

الصفحات