أنت هنا

قراءة كتاب العريضة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
العريضة

العريضة

رواية " العريضة " للكاتبة القطرية نورة آل سعد؛ و نقرأ من اجواء الرواية : هل بإمكان حادث طارىء وعابر أن يجردها من حياتها ؟

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
لو كان الحب حبا!
 
لو كان الحب جنوناً مؤقتاً فحسب ! بيد أنه الذات! إنه (أنا) عائشة وحياتها الأرضية القصيرة الموهوبة - بلا ثمن - لمن لا يريدها! هل بإمكان حادث صغير أن يجردها من حياتها التي كانت تعيشها حتى الآن ؟ ماذا يعني أن صالح بن أحمد لم يلحظ وجودها وجحدها تماما منذ قليل، عندما التقيا بعد سنين من الفراق والعذاب ؟
 
قد لا ترتبط الوقائع بالأفكار المجردة في رؤوسنا - وهذا يحدث كثيراً - ولكننا نعيش الاثنين معا (الأحداث وأفكارنا عنها) وعندما تنفصل أفكارنا عما نعيشه فإننا نحتفظ بأفكارنا غير القابلة للممارسة أو التطبيق في أقصى أعماقنا إنها تصبح عندئذ حياتنا الأخرى التي نعيشها بالخفاء، وباستقلالية عما نكونه أمام الناس، كما لو كان بإمكاننا أن نعيشها بالأصالة، ونعيش الحياة الظاهرية بالوكالة· نواصل الإشاحة بوجوهنا عن كل تلك الإشكاليات التي تفرزها حياتان منفصلتان، وكأنما لا تلزمنا نتائجهما المتناقضة، في شيء! وبقدر ما يبدو الأمر منطقيا يظهر كذلك خاليا من أي منطق·· ولكنه يستمر ويستمر!
 
وعلى خلاف الأشخاص الذين تكون حياتهم نسخة باهتة عن أفكارهم - لسبب أو آخر - فإن قناعاتها الجامدة تمثل مادة أصيلة من حياتها المتطابقة بصورة مزعجة وبغيضة مع أفكارها الجوفاء·
 
لا تكمن - في أحيان كثيرة - خطورة الوقائع وأهميتها في منشئها أو طبيعتها، بل تستمد أهميتها من خلال ارتباطها بوقائع أخرى غير ظاهرة على سطح الوعي أو الأحداث·
 
نظرا لطبيعة عائشة ومدى تأثير الاحداث التي تعاقبت على حياتها المتواضعة قامت عائشة اضطرارياً بتنضيدها عشوائياً وبراجماتياً في داخلها، بطريقة متراكمة واعتباطية نوعا ما·
 
ليس هناك ثمة أفكار أساسية في فلسفة عائشة، إنها فقط (قائمة) من الانفعالات الحبيسة والرغبات المكفوفة، ولذلك لا معنى للسعي لمناقشتها!
 
إن توضيح ذلك قمين بإزالة أي سوء فهم بحقيقة موقفها من نفسها، ومن عالمها الصغير أو تصوراتها بخصوص الحب الخالد، وغاية الحياة وفلسفة الوجود·
 
ذلك يعيدنا لصورة فكرة الزواج عند عائشة، فالصورة التي تمثلت لها - لسنوات عديدة - أنها أصبحت تتبع رجلاً يدعى زوجاً، وقد انتزعها من حياتها المفترضة إلى حياة مفروضة عليها! من الضروري أن نعرف بأن أمها أخبرتها بأن ذلك قدرها وقدر كل النساء؛ أن يكنّ تحت الرجال، وأن يصبرن، وأن الله سيعوضها خيرا عن صبرها! بدت العبارة غامضة ومبالغاً فيها، إلا أن أمها كانت صادقة، فقد أدركت عائشة عدة تعويضات، في الواقع حصلت على تعويضات أكثر مما حصلت عليه كل النسوة مجتمعات في حي المرقاب· فهل اقتنعت عائشة ؟ هل ارتضت كرامتها بالثمن المدفوع ؟
 
في تلك الفترة التي عاشتها في بيت حماتها لم تحاول عائشة أن تنسى صالحا، بل لم يكن لديها غير صالح لكي تتشبث بذكراه وتجعله حائلا بينها وبين الناس، بينها وبين واقعها الأجرد المتكلس· في تلك الأوقات العجاف الطويلة الممدودة كحبال من مسد، انبثقت كل ذكرياتها مع صالح لتملأ كل الثقوب والفراغات والحفر في تفاصيل حياتها الفارغة في البيت الكبير· استبدلت عائشة حياتها اليومية بحياة خفية لنشاط خلاق واعٍ تمارسه - بسرية وتعمد- لكي تحافظ على توازنها النفسي، ولكي تسمو على كل منغصات يومياتها العبثية، وتواجه العالم كل يوم بقناعها الثابت؛ وجه ودود وقانع ومؤمن· لم تشعر عائشة بأنها حالة استثنائية بل أدركت مبكراً بأنها جزء اعتباطي مكمل لسائر أجزاء المشهد الاجتماعي الصغير· لكل شخص منا قناعه الملحق بطقم أقنعة الجماعة من حوله· أما التفرد المسموح به في ذلك الجسد الجماعي المقنّع فإنه أن تلتزم بقناعك بشكل أبدي، ولا تعتزل طقوس جماعتك، ولا تتمايز عنها لكيلا تُفقدها تماسكها؛ إذ يجب على الفرد أن يحتذي خطى من سبقه ويحترم ناموسهم، ولو بشكل مصطنع (على أن يكون اصطناعا متقنا)، وهذه هي صيرورة الفرد المطلوبة والمسموح بها حقا· يجب ان نعترف (ما دمنا مضطرين إلى ذلك على كل حال) أن الفرد قد يضحي بالكثير من مخزونه الإنساني لكي يحتفظ في النهاية بصورة مثالية عن نفسه، وسط المجموع النسقي المتماثل· بالرغم من أن الجزء الأول من المقدمة يتناقض مع الجزء الآخر؛ فإن ذلك ما يحدث بالفعل باستمرار· لقد كبرت حساسية عائشة وتضخم وعيها بنفسها، بقدر ما أرادت الانخراط في لحمة المجموع وسداها· يكبر خيال عائشة وتتراكم طبقات اللاوعي حول وعيها، وتتكثف الصور وتخيم عتمة على جانب من الصورة، وتعيش عائشة في الجانب الآخر (المشرق أمام الناس)· تغرق عائشة نفسها بشكل كامل في فلسفة وهمية، وتصورات بائسة مكذوبة، تصونها من غدر وقائع يومياتها الفظة·

الصفحات