أنت هنا

قراءة كتاب جسور وشروخ وطيور لا تحلق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جسور وشروخ وطيور لا تحلق

جسور وشروخ وطيور لا تحلق

صدرت رواية "جسور وشروخ وطيور لا تحلّق" للفلسطيني أنور حامد، في طبعتها الأولى سنة 2010م، عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، وزين الغلاف بلوحة فنية من تصميم حنين حامد من فلسطين.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 10
(6)
 
التقيت أخي عماد الذي فوجئ بوصولي إلى بودابست ولكنه بدا مسرورا بذلك· رافقني إلى الفندق حيث أحضرت أغراضي إلى السكن الجامعي من أجل أن أقيم هناك بشكل مؤقت· لم يكن الأمر سهلا، فلم يكن هناك سرير إضافي في غرفة عماد التي بدت أوسع من الغرف التي تعودت عليها في سكن الطلاب في بلدان أخرى، فضلا عن أن حماماً فاخراً، على الأقل بالمقاييس الطلابية، كان محلقاً بها، وهو شيئ لم أكن اتصوره في سكن جامعي· الطلاب هنا مدللون، قلت في نفسي، وأنا أتذكر السكن الجامعي البائس في أنقرة، حيث يشترك ستة من الطلاب في غرفة واحدة، يستخدمون مع ساكني غرفة أخرى حماماً واحداً·
 
تطلب الأمر وضع سرير عماد إلى جانب سرير زميله رياض ونمنا ثلاثتنا على سريرين، ولم يكن ذلك مريحا·
 
كان الأمر الأصعب من ذلك أن وجودي في السكن الجامعي لم يكن قانونيا، وكان علينا التكتم عليه أمام الإدارة·
 
كان الشباب يذهبون إلى صفوف اللغة في الصباح وأبقى في الغرفة وحيداً، مع كتبي·
 
أول مأزق واجهني كان حضور عاملات التنظيف في السكن إلى الغرفة كل صباح وتوجيههن أسئلة لي بلغة لم أكن أفهمها· كان وصولهن يسبب لي الرعب، فمن المفروض أن تكون الغرفة خالية بعد ذهاب ساكنيها لحضور دروس اللغة، فماذا أفعل هناك؟ وهل يا ترى سيبلغن الإدارة؟ وهل سيطردونني من السكن؟ وماذا أفعل وإلى أين أذهب لو حصل ذلك؟
 
كانت رطانتهن بتلك اللغة الغريبة التي لا أفهمها تثير في نفسي الرعب· اللغة سلطة، قلت في نفسي، من يتكلم لغة لا تفهمها يجعلك تحس أنك اقل شأنا منه، مهما كان مركزه الاجتماعي، بل يجعلك تخافه· هل لهذا علاقة بكوني سمعت الرطانة بلغة أجنبية للمرة الأولى حين كنت طفلا من جنود إسرائيليين مدججين بالسلاح؟ على أي حال فمركزي الاجتماعي، انا المشرد الذي لا ينتمي إلى أي مؤسسة أكاديمية، والذي فقد انتماءه السياسي أيضا، ماذا اقول؟ مركزي لم يكن قابلا للمقارنة بمركز عاملات التنظيف أولئك في بلد يقول انه ينتهج أيديولوجيا دكتاتورية البروليتاريا، حتى من دون جهلي باللغة، فما بالك إذا كن يمتلكن ديكتاتورية اللغة أيضا؟
 
كنت دائما أنتظر بفارغ الصبر عودة عماد مع زميليه رياض وباسل لنذهب معا إلى المطعم، حيث كان الشباب يحصلون لي على وجبة مجانية من خلال علاقاتهم الودية مع عاملات المطعم· إذا كان مفتاح الحل فتاة جميلة فلن تكون هناك مشكلة أبدا· كل ما يتطلبه الأمر هو شيء من اللطف والكياسة، وتحل المشاكل· في حال عاملات النظافة لم يكن الأمر سهلا؛ لأنهن كن في سن لا تساعد على إقامة علاقات معهن، وبالتالي فلم يكن هناك نفوذ للشباب عليهن· مع ذلك تمت تسوية الأمر في النهاية من خلال ابنة إحداهن التي تعمل في المطعم، والتي أوعز عماد إلى زميله فيصل بالتودد إليها، وقامت هي بإقناع أمها أن تقنع الأخريات بالتغاضي عن وجودي· كنا نطلق على هذا الترتيب تفعيل عامل الجنس، وهو إذا استخدم بشكل لبق يحل كل المشاكل· كان الشباب إذا واجهوا أي مأزق فكروا في تفعيل عامل الجنس، أي البحث عن فتاة ذات نفوذ في المسألة والتودد إليها بشكل ينتهي بها إلى سرير أحدهم· عندها يمكن اعتبار المسألة محلولة·
 
علق رياض، وهو شاب ريفي وذو عقلية محافظة، علق على الوضع قائلا باستغراب: في بلادنا عليك أن تبذل روحك من أجل الحصول على ابتسامة من فتاة، أما هنا فإنها هي التي تقدم لك كل ما تريد إذا أعجبتها، مقابل أن تنام معها·
 
طبعا لم يكن الوضع بهذه الفجاجة، ولكن بدا كذلك بمفهوم رياض ذي العقلية التقليدية المحافظة، التي لم تستوعب أن مسألة الجنس هنا خالية من التعقيدات، ورهن بشعور إيجابي بين شاب وفتاة، ليس بالضرورة أكثر من صداقة، والصداقة في حد ذاتها تعني استعداد أحد الطرفين لمساعدة الطرف الآخر إذا استطاع·

الصفحات