أنت هنا

قراءة كتاب لخضر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لخضر

لخضر

رواية "لخضر" للروائية الجزائرية ياسمينة صالح؛ صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت ، وهي الرواية التي وصفها الناقد الأردني "سميح الخطيب" بالمتميزة والمعقدة في آن واحد، حيث قال "الخطيب" في مقالة نشرتها صحيفة الغد الأردنية أن رواية "لخضر" بأبعادها ا

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 1
(1)
 
كان يريد أن يتحرر من عقد البداية، ويرسم لنفسه جهة أخرى غير تلك التي يدافع عنها الناس! كان يدرك أنه بحاجة إلى قوة هلامية ليصبح شيئاً مغايراً عمّا كان من قبل، أيام كان يخطط له والده مستقبلاً يصلح للبؤساء·
 
والده.
 
تمنى لو يستطيع أن يبتسم لمجرد أن يتخيل شكل الابتسامة على شفتيه، بعد عمر طويل من العبوس. فكر بينه وبين نفسه: هل ثمة ما تغير حقاً؟ عندما استيقظ صباحاً وجد نفسه يريد النظر إلى وجهه! طلب من خادمه إحضار مرآة، وبقي الخادم يبحلق فيه صامتاً ومرتبكاً، قبل أن يقول بصوت مليء بالحيرة:
 
ـ سيدي· أنت من أمر بنزع المرايا من الجدران والأمكنة· أنت من أمرنا بعدم ترك مرآة واحدة في البيت. !
 
نظر إلى خادمه وهو يشرح له أمراً بدا له خطيراً! لا مكان للمرايا في البيت؟ ألهذا الحد كره نفسه؟ تظاهر بعدم الاكتراث بما سمعه ووجد نفسه ينظر إلى وجهه على زجاج النافذة. زجاج عكس له وجه لا يعرفه· مجرد تقاطيع متشابكة وعينين محاطتان بهالة سوداء قاتمة وشعر هزمه البياض من كل جهة· لعله ارتبك قليلا أمام عينيه· ارتبك وهو يبتعد خطوة نحو الخلف، وقبل أن يبتعد تمتم بكلمات مبهمة ودخل إلى الحمام ليستقبل يومه الجديد! فكر بينه وبين نفسه: لا بد أن الجميع حائرون بسبب مزاجه المفاجئ، والتغيير الذي طرأ عليه منذ استيقظ من النوم· حتى أنه قال صباح الخير للخادمة التي دخلت عليه تحمل صينية القهوة· ذهلت وهو يقول لها بصوت هادئ وبسيط:
 
ـ سأشرب قهوتي في الصالة·
 
قالها وهو يصوب نظرته نحو النافذة: يبدو اليوم مشمساً. لقد حل الربيع أخيراً! ولم ينتظر من خادمته العجوز تعليقاً، كان يكفي أن يرى ملامحها من انعكاس زجاج النافذة ليفهم تلك الدهشة التي أبقت فمها مفتوحاً للحظات قبل أن تأخذ الصينية وتخرج مهرولة· لبس بذلته الخضراء الأنيقة وخرج إلى الصالة بخطوات أقلّ حدة. كأنه ليس هو. كأن شخصاً آخر تقمصه ليلعب دوراً مختلفاً عن الدور الذي لطالما أدّاه بطريقته الخاصة التي جعلت الجميع يخافون من مجرد النظر إليه. يخافون من خطواته مثلما يخافون من صوته. جلس يرتشف القهوة مستمتعاً بزقزقة العصافير في هذا الصباح المشرق، وعندما انتهى من قهوته نهض نحو السيارة التي تنتظره في الخارج. رأى سائقه الخاص يدنو منه مهرولاً ليتناول من يده الحقيبة الجلدية الصغيرة. تلك حركة تعوّد عليها منذ سنين، لكنه قال بصوته الحازم:
 
ـ سأبقي الحقيبة معي·
 
تدارك السائق ارتباكه وهو يفتح لسيده الباب الخلفي، وبدل الجلوس في الخلف قال له بصوت بداً ودوداً:
 
ـ سأجلس في المقعد الأمامي!
 
و لم يعرف السائق كيف يتصرف وماذا يفعل؟ بقى واقفاً فاتحاً فاه مذهولاً، ثم سرعان ما انتبه إلى وقفته تلك وأسرع نحو السيارة، ركبها وانطلق بها مذهولا!

الصفحات