أنت هنا

قراءة كتاب ساعة ظهور الأرواح

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ساعة ظهور الأرواح

ساعة ظهور الأرواح

رواية "ساعة ظهور الأرواح"لالمؤلف البحريني عبدالله خليفة، تذكرنا برواية توفيق الحكيم الشهيرة "عودة الروح" لا يقتصر على التشابه في الكلمات ومعانيها المحددة بل يتجاوز ذلك إلى تلك الرسالة الواضحة وهي احياء ما بدا كامنا أو ميتا من روح الجماعة وإعادة الحياة إلى ت

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 4
(4)
 
صحا جوهر وذراع أبيه تمتد في خصره، فلم يستطع مسح عرق الحلم ولا تفجير فقاعات الكابوس، وأسرع بإلقاء قبضة ماء على وجهه، فتساقطت ألواحُ الملح، وروائح عمود النار، لم يكن في سمعه سوى هسهسة بعيدة غامضة لرفيف أجنحة، وأصداء انفجار وصراخ، وتحول رملُ الفضة الشاسع إلى تراب، وحديقة الذهب إلى نمل يقرص ساقه··
 
أسرع بركوب عربة أبيه ومضغ قطعة الخبز التي أعطتها له أمه، وكانت بها كرة صغيرة من الحلوى، وواجه عينَ الشمسِ المحدق فيه، والدروب المهتزة، ولسعات فالتة من سوط أبيه الموجهة للحمار، وتساءل: ماذا كان ذلك السحر كله، أين ذهبت النساءُ الحوريات، والسرير الواسع، ومخزن أكياس الأرز، ولمسات مريم؟
 
وكان الكون كله يتثاءب وينفض النعاس من عينيه، وتمتلئ المقاهي بطرطشة البيض، والدخان، واللغو، وراح يحمل الأكياس في العربة مع ساعدي أبيه المفتولين القويين، فينغمران في حشد السوق بين الثياب وصناديق الفاكهة، وراحا يزيحان الجمع صانعين خطاً متعرجاً من الفراغ الصعب·
 
وعند بيت كبير، في أزقة مختبئة في الصمت والسكون، أنزلا الأكياس ودخلا البيت، راحا يجمعان الروث من تحت الأبقار·كانت الرائحة العطنة هي هدية الصباح، تملؤه بقوة غريبة، ويجد في القمامة أوراقاً يحشرها بين ضلوعه، ويصنع هرماً من السواد والخضرة المتحدين، ويندفع في الأزقة محولاً الحمار إلى فرس، ويقذف المدينة وراءه مستقبلاً الحقول الجافة الميتة، يدس هدايا الثيران تحت أشجار الرمان، ويغذي أنساغ النخل المتيبس، ويعطي للبلابل بدلات الربيع··
 
لا يعرف كيف ظهرت وراءه خطوط الأولاد بفؤوسهم وأغانيهم وكراساتهم وبخيوط أحلامهم المقطوعة، وبأسمالهم التي يخجلون من الذهاب بها إلى المدارس، وبشظايا سبوراتهم المكسورة على رؤوسهم، وبتمائمهم التي تعدهم بالمراكز وبنات السلاطين وبفقء عيون الشياطين، وببول العفاريت المرسوم على أعناقهم··
 
لا يعرف كيف أخذه وهج السماد إلى المدارس السرية في الأزقة، ولجلسات النار حول حكمة الشيوخ وللكتب القديمة ولدكان بوسمرة ولطب الأعشاب وللجوع الصابر، ويعود في منتصف الليالي لمرقده، وللنهوض المبكر وذراع أبيه تتغلغل في ضلوعه، ويلتقط كسرة الخبز وليس فيها كرة الحلوى الصغيرة، وينطلق مع أبيه في دروب السوق، يضعان صناديق الدهن والسكر والشاي وأكياس الأرز ويوصلانها إلى تلك البيوت النائمة في السكينة·
 
وهو يحاول أن يقبض على تلك الحبال التي صعّّدته إلى السماء ويمسك أصوات السعادة وجبال الذهب، وليرقد مع الجنية أو حتى مع مريم التي شفيت من تيبس العظام، ويمضي في ليل العدامة الغارق في فحم الظلام، علّ حبلاً آخر حقيقياً يتدلى، وروحاً طيبة تأخذه إلى الحقول السرمدية للفضة، أو حتى إلى كهوف البحر الملأى باللآلئ، ولكن ذلك الدرب المعوج الذي يشق بطن الأكواخ إلى كتلتين مشويتين بالنار والسخام، ينتزعه من كثيب الحلم إلى فراشه اليابس··

الصفحات