أنت هنا

قراءة كتاب همسات على ضفاف النيل

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
همسات على ضفاف النيل

همسات على ضفاف النيل

رواية "همسات على ضفاف النيل" أهدتها الكاتبة المقدسية مزين يعقوب برقان، إلى كلّ مَنْ أراد بمصر خيراً... إذ أن الحقبة الزمنية لاحداث الرواية هي الثورة المصرية، انهت الكاتبة روايتها مخاطبة نهر النيل: تسمعني أنتَ أيّها النّيل...

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار الجندي
الصفحة رقم: 1
الفصـل الأول
 
في ذلك اليوم من أيام حزيران من عام 2010م، وبعد شجار شديد مع والدتي، خرجتُ من البيت الكائن في أمبابة. خرجتُ ليس بذلك الغضب الذي يولّده شجار عنيف، بل بذلك الملل المغلّف بالاستياء من ما أنا فيه، وما أعتقد أنه يجب أن يكون. الليل يُظَلّلني بسواده في تلك الشوارع والأزقّة الشعبية القريبة من منزلنا. تدور الأفكار في رأسي كخطوط دوائر متداخلة في بعضها البعض. أمّي يزعجها ويضايقها عدم حصولي على عمل بعد أن أنهيت الخدمة العسكرية، ويثير جنونها أيضاً علاقاتي المتعددة مع الفتيات، وعدم موافقتي على الزواج من فتاة اختارتها هي لي.
 
أحاول دائماً أن أتجنّب الشجار مع والدتي، فالشجار معها مستنقع من المشاعر المؤلمة، ورغبة قوية في الإصرار... الإصرار على رأيي... وعلى ما أريد. أتألّم لأنني لا أحتمل إثارة غضبها مني في الوقت الذي لا أستطيع أن أستجيب لمطالبها. فأرى في الابتعاد المؤقت طريقة لإنقاذها من الغضب، وإنقاذ ذاتي من ألم المواجهة ... مواجهة أمّي. في الابتعاد، ولو كان لساعات، لن أسمع مطالبها، وهي لن تسمع ردودي الرافضة. خير أن يسود الصمت أحياناً، وربما معظم الأحيان.
 
عادة ما ألتقي بأصدقائي في القاهرة ... على النيل، وفي المراكب. بذلك المبلغ البسيط الذي كان في جيبي، قرّرتُ أن أدفعه لسيارة أجرة كي أذهب إلى كوبري قصر النيل، حيث ألتقي أصدقائي هناك.
 
صعدتُ في إحدى سيارات الأجرة، متوجهاً إلى "جاردن سيتي"، قاصداً شيئاً ما أو لا شيء على الإطلاق. أردتُ الابتعاد ولو لساعات، لعل أمّي تسير في اتجاه آخر في تعاملها معي. أو لعلي أجد سبباً للاقتناع. ماذا يفعل الآخرون عندما لا يملكون القدرة على مواجهة شديدة؟ ينسحبون عادة، وربّما دائماً. والآن فأنا أنسحب لأنني لا أملك القدرة على مواجهة أمّي بما يغضبها وليس لأنني لن أستجيب. أنسحب الآن لأنني ضعيف أمامها.
 
مرّت الدقائق سريعة على الرغم من الازدحام المعهود في شوارع القاهرة. قادتني قدماي نحو كوبري قصر النيل. تستنشق رئتاي هواء ممزوجًا بعبق النيل وسحر المدينة. الكوبري، كما هو في معظم الأحيان، مزدحم بالسيارات والناس ما يجعلك تدرك أنك في هذه المدينة العريقة. وفي نهاية الكوبري، يطلُّ عليكَ برج القاهرة الشامخ بأضوائه المتلألئة الراقصة، وبألوان قوس قزح. شامخ مرتفع بكبريائه، وروعة تصميمه، كأنه يعانق السماء. ويحجب القسمَ الأسفل منه فندقُ نوفوتيل بنوافذه وشرفاته المطلّة على صفحات النيل ونسائمه الأسطورية.

الصفحات