أنت هنا

قراءة كتاب أسس العروبة القديمة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
أسس العروبة القديمة

أسس العروبة القديمة

ينكر كثيرون وجود عروبة قديمة، وقد وضع هذا الكتاب للرد على هؤلاء، ولتعريف شباب الأمة ببعض روافد وأسس العروبة منذ أقدم العصور التي جاء الإسلام ليصقلها ويكملها ويصنع لها دولة. 

تقييمك:
4
Average: 4 (3 votes)
الصفحة رقم: 9
أما شبه جزيرة العرب فقد كانت أخصب بقعة على سطح الكوكب وأكثرها ملاءمةً لوجود الإنسان والحيوان والنبات ولنشوء الحضارة. ففي الشرق منها كانت جنة العرب الأولى قبل أن تغمرها مياه البحر وتشكل ما يعرف اليوم بالخليج العربي، تجري من تحتها أنهار دجلة والفرات وبيشه لتصب جميعاً في بحر العرب بعد أن غذت تلك المنطقة عبر عشرات آلاف السنين بطبقات لحقية وفرت لها درجة من الخصوبة لم تعرفها أية بقعة أخرى. وكان يغطي منطقة صحراء الربع الخالي بحر من المياه العذبة ما تزال بقاياه قائمة حتى يومنا هذا في أربع بحيرات متصلة جوفياً عمق إحداها 400 قدم (أحمد سوسة، "ري سامراء"، الجزء 2، ص 539).
 
وكان وادي بيشه الذي يتحد مع وادي الرمَة وتثليث ورنيا والثرات والدواسر يخترقها من الغرب إلى الشرق جنوب البصرة ثم يتابع سيره في منطقة الجنة (الخليج العربي لاحقاً – إ. ع) ليصب أخيراً في بحر العرب.
 
يقول تشايلد: "في الوقت الذي كان فيه شمال أوروبا مغطى بطبقات الثلوج إلى مسافات بعيدة، وكانت جبال الألب والبيرنيه مغطاة بكتل الجليد، كان ضغط القطب الشمالي الشديد يسوق أعاصير الأمطار التي تهب على أوروبا الوسطى، ويجعلها تجتازها وتعبر إلى حوض البحر المتوسط، وتستمر في سيرها دون أن تستنزفها الجبال السورية فتصل إلى العراق وجزيرة العرب... فكانت الصحارى التي يلفحها العطش الآن تتمتع بأمطار منتظمة، ولم تكن الأمطار الذاهبة بعيداً إلى جهة الشرق أكثر مما هي عليه الآن فحسب، بل إنّها كانت موزعة على جميع فصول السنة بدلاً من أن تكون مقصورة على فصل الشتاء، وكان يعيش في شمال أفريقيا، وربما في جزيرة العرب أيضاً، حيوانات من نوع ما يوجد الآن في زيمبابوي وروديسيا" (تشايلد، "الشرق القديم"، طبعة 1964، ص 15-16).
 
وتؤكد نتائج أبحاث سفينة الأبحاث الألمانية "ميتيور" في قاع الخليج أنه "نتيجة لانخفاض مستوى مياه البحر خلال العصر الجليدي الأخير إلى حوالي 110 أمتار عما هي عليه اليوم، كان الخليج العربي أرضاً يابسة تتكون من منخفض يبلغ طوله حوالي 1100 كيلومتر، ووسطي عرضه 180 كيلومتراً، ولا يتجاوز عمق غوره 30-100 متر، وتشق قاع الخليج قناة حفرتها مياه النهرين تبدأ قرب الفاو لتصب في خليج عُمان. ومن الجدير بالملاحظة أن تضاريس قاع منطقة الخليج تشبه إلى حد كبير طبيعة الأرض التي يجتازها نهر الفرات في سوريا إلى درجة دفعت الباحثين للاعتقاد بأن حوض الخليج يكاد يكون استمراراً للأرض السورية، فلا يفصل المنخفضين إلا السهول الرسوبية المنبطحة المعالم، واعتباراً من أواخر العصر الجليدي الرابع "الأخير"، أي منذ حوالي 14000 قبل الميلاد تأخذ مياه البحر بالارتفاع بفعل مناخ دافئ يسود الكرة الأرضية خلال عصر الهولوسين "الدفيء". وباستثناء انقطاعين عارضين حدث الأول حوالي 10000 سنة ق. م والثاني حوالي 8000 سنة ق. م بفعل التذبذبات المناخية، تابع ماء البحر ارتفاعه واستمر يغمر منطقة الخليج، حتى استقر مستواه تقريباً اعتباراً من حوالي 4000 ق. م على وضعه الراهن في القرن العشرين. وبذلك انفصلت المرتفعات التي ستعرف فيما بعد باسم البحرين وفيلكا وبوبيان وغيرها من الجزر عن الأرض العربية التي تحولت بدورها إلى شبه جزيرة وبلغ ارتفاع منسوب المياه إلى 120 متراً" (هشام الصفدي، المرجع السابق، ص 76 و81).
 
(لاحظ أن هذا يثبت الوجود العربي في محيط الخليج العربي، خاصة في البحرين والجزر الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، ناهيك عن الأحواز، منذ ما لا يقل عن 14 ألف سنة قبل الميلاد حتى اليوم دونما انقطاع – إ. ع).
 
تلكم هي لوحة جزيرة العرب الجغرافية والمناخية التي كانت مهداً للحضارة على هذا الكوكب، والتي كانت تمتد حدودها من ضفة الخليج الشرقية شرقاً إلى البحر المتوسط غرباً، ومن البحر الأسود شمالاً "البحر الأعلى" إلى بحر العرب جنوباً "البحر الأدنى" (لاحظ أن هذا التوصيف يضم كل هضبة الأناضول في تركيا الحالية – إ. ع).
 
ومنذ أن تأسست أول دولة مركزية في المنطقة، وهي دولة سرجون الأكادي في الألف الثالث قبل الميلاد، وحتى نهاية عهد الملكة زنوبيا، حافظت الدولة على هذه الحدود دونما أي تفريط أو تجزئة خلال ما يقرب من ثلاثة آلاف عام.

الصفحات