أنت هنا

قراءة كتاب الإيمان والمؤمنون في سورة المؤمنون

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الإيمان والمؤمنون في سورة المؤمنون

الإيمان والمؤمنون في سورة المؤمنون

كتاب "الإيمان والمؤمنون في سورة المؤمنون" بين يدي السورة الشريفة: سورة {المؤمنون} المكيّة هي السورة الثالثة والعشرون ترتيباً في القرآن الكريم، ذات المائة وثماني عشرة آية، وكلماتها ألف ومائتان وأربعون، وحروفها أربعة آلاف وثمانمائة، نزلت هذه السورة الشريفة بع

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 3
ولما كان موضوع السورة هو الإيمان فإن مقصودها بيان حال المؤمنين في العبادات، وتذوّق حلاوة الطاعات، وبيان حجج التوحيد، وبراهين النبوات، وذل الكافرين المتنكبين طريق الإيمان في الدنيا وبعد الممات، وعجزهم إبان العذاب في جهنم عن دفع العقوبات، ومكافأة المؤمنين في العقبى على حسب المعاملات، وتهديد أهل اللهو واللغط والغفلات، وفي السورة أمرٌ للرسول ( بالدعوة إلى المنجيات وحثّ المؤمنين عليها، وصرفهم عن المهلكات، وسؤال المغفرة لهم والرحمات.
4. متطلبات الإيمان ( الفضائل والصفات): عرض القرآن الكريم في ثنايا هذه السورة الشريفة من الصفات ما يرسم شخصية المسلم في أُفقها الأعلى؛ من عبادات ومعاملات وكريم الخصال والعادات؛ فبعدما وصفهم بالفلاح- وجعله بالفعل الماضي {أَفْلَحَ} الذي يدل على أصالة الفلاح واستقراره؛ لأنهم مؤمنون، وأنهم بمرامهم فائزون- بيّن القرآن الكريم أنهم في صلاتهم خاشعون، نحو مَسجَدهم ينظرون، وبجوارحهم مخبتون، وبآداب الصلاة ملتزمون، فلا يتثآبون وهم يصلّون، ولا أصابعهم يفرقعون، ولا الحصى يُقلّبون، ولا بلباسهم مشغولون، وكيف لا يخشعون وهم يخشون ذهابه؟ وقد روى حذيفة ( أن رسول الله ( قال: ( أول ما يرفع من هذه الأمة الخشوع، حتى لا ترون فيها خاشعاً)(17)، وقد تُحمل الصلاة في النص على المعنى اللغوي، فيكون المعنى أنهم في دعائهم خاشعون، ومن هنا نجد الحسن البصري وقد نظر إلى رجل يعبث بالحصى وهو يقول: اللهم زوّجني الحور العين، فقال الحسن : بئس الخاطب أنت تخطب وأنتتعبث!!(18)
والمؤمنون عن اللغو معرضون، وكراماً عنه يمرون، ولهيشات الأسواق -ما يدور فيها من لغط واختلاط واختلاف- ناكبون، وفي إخفاء الفتنة على وفق الشرع متآزرون، وبالبر والخير معروفون مشتهرون، والإثم لا يقترفون، وعند ذكر القبائح يصمتون ويعرضون، وإذا انفتحت أبواب الخير يتسابقون، وإذا ذكر الناس الدنيا هم لله ذاكرون، وبحمده يسبحون، ويقدّسون ويمجّدون، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.
وهم للزكاة فاعلون، قصد الطهارة والنماء، والأفضل والأحب من أموالهم ينفقون؛ وهم من كرائمها يُؤدون، وبصالح الأعمال ملتزمون، فالزكاة في الآيات المدنية يُراد بها ذات الأنصبة، وفي الآيات المكيّة تُحمل على ما كان سبباً فيها كالعمل الصالح(19)، فهم في الحالتين هم الطاهرون، وهم لفروجهم حافظونممسكون، لا يرسلونها {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ}(20)، وهم عن الشهوات يعزفون، وعلى العفة يعزمون، وعلى نيتها يتكاثرون، وبالإفك لا يجهرون، ولا يتخافتون، ولعوراتهم ساترون، كدأبهم في عورات أهليهم سابغون، وهم لأماناتهم وعهودهم كلها مراعون، وعلى حفظها وإصلاحها قائمون، لا يكذبون، ولا يُخلفون، ولا يخونون، بل موفون آمنون.
إن أوصاف المؤمنين تتردد في هذه السورة للتأكيد بين الفينة والفينة أنهم هم الوارثون، فهم من خشية ربهم مُشفقون، وبآياته يصدّقون ويوقنون، وبه لا يشركون، وينفقون وقلوبهم وجلة، ولا يمنّون؛ خشية أن لا تقع على الوجه اللائق؛ لأنهم إليه راجعون، ويوم القيامة إليه يُبعثون، فأحرى أن يكونوا بالخيرات يُسارعون، وهم لها سابقون، إنها نهاية مقامات الصدّيقين.
ولما كانت هذه الأوصاف والطاعات مظنة أن يُقال: إنها ثقيلة، قال سبحانه وتعالى: {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}(21)، ولثبات هذه الخصائص في النفوس عبّر القرآن الكريم عنها جميعاً بالجملة الاسمية دون الفعلية؛ لأن الجملة الاسمية في اللغة تدل على الثبات، والفعلية تدلعلى التجدد والحدوث، فهي مظنة الانقطاع، والاسمية مظنة الاتصال والدوم(22).
5. دلائل الإيمان وبراهينه في الأنفس والآفاق: لما كان الحديث في السورة الشريفة عن الإيمان استلزم بيان أدلة أركانه، وبراهينه في الأنفس والآفاق.
أما الإنسان ذو النطفة الطينية والعلقة والمضغة بأطواره الجنينية كافة، العاجز عن معرفة ما حوله، فضلاً عن أن يدرك كنه نفسه وحقيقته، فقد تقدم في أسلوب حياته؛ فبنى بيته، وحاك ثوبه، وزرع أرضه، وجمع طعامه، ونظّم أسرته، وانضم إلى جماعته وعشيرته؛ فأسس دولته، وأشاد ملكه، وأنار الظلام، وصنع العجائب، وشارك الطير في السماء، ورافق الحيتان في أعماق البحار، واستنبط الاختراعات، حتى اعتلى متن الهلاك، وحطّ رحاله على الأفلاك.
لقد بدأ الله مشوار خلق الإنسان من تراب ثم نطفة، وقال الله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}(23)، فسبحان مَن خلق الإنسان، وأتقن خلقه غاية الإتقان، سبحان مَن منحه العقل الكبير، وعقّد تركيبه، وجعله مناط التدبر والتفكير، وأعطاه الحواس، ونظمها هذا التنظيم القويم، وركّبها أحسن التركيب، حتى استجمع أكثر الغرائب، وكاد يستغرق العجائب:
وتزعم أنك جرم صغير
وفيك انطوى العالم الأكبر
فتبارك الله العلي الكبير، سبحانه وهو على كل شيء قدير.
ومن الوجوه الوجيهة ما ذكره الآلوسي في تفسير الآية آنفة الذكر؛ إذ قال: ( تضمنت الآية تسعة أطوار، ووقع الموت فيها الطور الثامن، ووافق ذلك أن من يُولد لثمانية أشهر من حمله قلّما يعيش) انتهى(24)، والواقع يؤيد هذا ويثبته.

الصفحات