أنت هنا

قراءة كتاب ابراهيم السامرائي - الانسان والكتاب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ابراهيم السامرائي - الانسان والكتاب

ابراهيم السامرائي - الانسان والكتاب

كتاب "ابراهيم السامرائي - الانسان والكتاب"، هذا الكتاب محاولة صادقة من مؤلفه لتقديم صورة عامة عن جهود الدكتور ابراهيم السامرائي الثقافية ، وقد تمثلت هذه المحاولة في تقديم مسارد تفصيلية لما تركه السامرائي من كتب ودراسات تجولت في حقول ثقافية متنوعة ، ودلت على

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 1
تقديم
 
د· وليد محمود خالص
 
جامعة السلطان قابوس
 
كلية الآداب والعلوم الاجتماعية
 
أردت في مفتتح حديثي أن أتفلّت قليلاً من الموضوع الرئيس لهذا التقديم، وأن أخالف المنهج الذي درجت عليه، ذلك الذي يحتّم الدخول إلى الموضوع مباشرة بلا توطئة مسهبة قد يتيه فيها الموضوع الذي عُقدت الكتابة عليه، والذي دعا إلى هذا هو أنَّ هناك كلماتٍ يجب أن تقال لكي تتّضح الصورة، ويعتدل الميزان، وتنضوي هذه الكلمات تحت سقفين: عام، وخاص· أمّا العام فهو ما نراه، ونلمسه من هؤلاء الحراس الجدد الذين ينشدون تقويض جمهورية العقل حيثما كان عقل، وحيثما كان تسليم بسلطان العقل، وكان لزاماً عليهم أن يجهّزوا جيوشاً من الدلالات، ينسفون بها قلعة اللغة من الداخل، ويطيحون فيها بالقواسم الفاصلة بين الحقيقة والمجاز حتى تنفسح الفضاءات وتتمطط فتزهو بين أرجائها لعبة الخطاب، وتتألق أعراس التخييل، فتدفن عفّة الدلالة، وتُقبر براءة التأويل في موكب جنائزي رهيب، عبد السلام المسدي، المثقف العربي وانفجار الأسئلة، مجلة ثقافات، العدد الرابع، سنة 2002، ص19، وعند ذاك تتهاوى قلعة المنهج التي اشترك في بنائها على مدى قرون متطاولة مفكّرون، وفلاسفة، وتربويون، وأكاديميون فلن يبقى سوى لسان واحد يراد له سماع صوته، ولعلّنا في هذا ا لكتاب نقف وقفة تأمّل في مواجهة أطروحات الحراس الجدد .هذا عن العام، أمّا الخاص فيتمثّل في أنّ وقت هذه الكلمات قد حان، ونضجت ثمرته في ظلّ هذا الكتاب الذي بين أيدينا، فقد طال السكوت، وظلَّ هذا السكوت على الدوام مقترناً بالإقصاء، والإبعاد، بل بالإهمال، ويجيء هذا الكتاب ليحكي، ويسرد قائماً على محورين أصيلين هما: إبراهيم السامرائي، وعبد الله السريحي·
 
والمدخل الحقّ لهذا التفلّت الذي أشرت إليه هو الانشغال الحميم منذ سنوات بمقولة المثقف، وماهيته، وعلاقته بالسلطة والأدوار الجليلة التي عليه أن يؤديها باعتباره القيِّم على الكلمة ··· والوصيّ على جراحات الناس المكلومين بمدية الأحداث، عبد السلام المسدي، المرجع السابق، ص19، وبحسبانه يمثّل فكراً من الواجب أن يكون تنويرياً نافعاً، والكاتب يعلم أنَّ مداداً كثيراً قد أريق في هذه المسألة، بل المسائل الشائكة، وتناوشتها الأقلام، وتفاوتت ما بين صريح جارح وهي قليلة، وبين متحفّظ، أو متحصّن خلف أسوار القوة الموهومة التي سرعان ما تنهار؛ لأنّ عوامل انهيارها تكمن في داخل نسيجها، وهي الكثيرة، غير أنَّ ما يلفت النظر في تلك الكتابات مثلاً ما قرّره د· حسن حنفي وهو يصنّف كتابات المثقفين فيجعلها في نوعين هما كتابة بالقلم، وكتابة بالدم، كتابة على الورق، وكتابة في التاريخ، فالأولى تعطي لصاحبها الوظيفة، والمنصب، والجاه ··· والثانية تؤدي بصاحبها إلى الاستشهاد ينظر الشاعر والسلطة، د· أحمد عبد الحي، إيتراك للنشر والتوزيع· القاهرة، سنة 2004، ص193، وواضح أنَّ الاستشهاد هنا ذو دلالة مجازية، وقد يحمل شيئاً من الدلالة الحقيقية، فتاريخ الفكر يشير إلى النوعين· فمن أيّ النوعين كانت كتابات إبراهيم السامرائي التي يقدّم الأستاذ السريحي مسارد تفصيلية عنها في هذا الكتاب؟
 
لعلّنا نسوق الإجابة عن هذا السؤال ذي المداخل الضيقة، مستعينين بذلك التصنيف الدقيق النافذ للمثقفــين الــذي قدّمــه د· محمود عبد الفضيل؛ أستاذ الاقتصاد السياسي في كلية الاقتصاد بجامعة القاهرة، فهم أنواع مختلفة، وأجناس متباينة، بَيْد أنَّ جمهرتهم تكتب بالقلم على حدّ قول د· حنفي، ومنهم: المثقف المراوغ، والترزي، والمقاول، والاجتراري، ولكلّ واحد من تلك النماذج مهمّات يضطلع بها، فالمراوغ من أخطر نماذج المثقف في وطننا العربي، فهو زئبقي··· يجيد إمساك العصا من الوسط··· ويعرف جيداً أنَّ نجاحه في الوصول إلى ما يريد يتطلّب اتباع مجموعة من القواعد الأصولية التي تحدّد خطَّ سيره، وصعوده العام والخاص في معترك الحياة، أمّا الترزي فهو أقلَّ موهبة وتأثيراً من الأول ··· إذ يكتفي عادة بما يرد إليه من تعليمات ··· ويجيد السير في الركاب، ويمنح ولاءه، وموهبته لمن يقبض على زمام الأمور··· وهو دائماً في حالة جاهزية لإعادة صياغة المبادئ، وإعادة تفصيل القوانين، والتشريعات بحسب المقاس··· فهو مثقف كلّ العصور ·· لا يؤرقه ماضيه السياسي، أو الفكري، فهو دائماً في الخدمة للسيد الجديد، ويقترب منه المثقف المقاول، أي مقاول الأفكار، فهو يجيد تجهيز المشاريع البحثية بالشروط المناسبة··· وهو على قدر كبير من الذكاء، وحسن الفراسة لكي يجيد ترويج مشروعاته الفكرية، ويبقى المثقف الاجتراري ذلك الذي يركن إلى الكسل الفكري، ويحلو له إعادة اجترار النصوص، والمقولات الجاهزة، وتضعف لديه روح الاجتهاد، والابتكار· إنَّه مثقف يعيش أسير صياغات، وقوالب جامدة تسترجع إنجازات السلف الصالح من دون تجديد، أو نقد أو تمحيص، ينظر بحثه القيّم: المثقف العربي: سعياً وراء الرزق والجاه، المنشور ضمن كتاب المثقف العربي الذي أصدره مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، سنة 1995، ص125، وما بعـــدها·
 
ولعلّنا بدأنا نتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود في الإجابة عن السؤال المنصرم، إذ قدّم الكتاب الذي بين أيدينا من الشواهد ما يكفي لكي تبتعد كتابات إبراهيم السامرائي عن أيّ واحد من تلك النماذج السابقة، غير أنَّ نموذجاً فذّاً فريداً بقي وحيداً في هذه اللّجة المتلاطمة، وهو الذي عناه د· حنفي حين جعل كتابته بالدم، وفي التاريخ، وهو الذي أخَّره د· عبد الفضيل، وآثر تسميته بالمثقف الانتحاري، ولعلَّ مردّ هذا التأخير إلى ندرته، ومعلوم أنَّ الندرة دوماً قرينة النفاسة، والعكس صحيح، ولأمر قريب من هذا يتردّد بيت العباس بن مرداس، وما يشعّ به من محمولات في الوجدان العربي، وهو:

الصفحات