أنت هنا

قراءة كتاب بلا قيود - في الأدب والسياسة والفن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بلا قيود - في الأدب والسياسة والفن

بلا قيود - في الأدب والسياسة والفن

عندما يكتب الصحافي مقالا أو ينجز حوارا فان هدفه اثارة الراي العام وذلك شغله اليومي، فهو يكتب ويمضي، لكنه عندما يراجع بعض المواقف تستأثر بعض كتاباته بقيمة خاصة فينحو عيها حنوه على الابناء، ويخشى عليها من التلاشي والضياع في غياهب الذاكرة ومتاهات التاريخ، يعود

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: محمود الحرشاني
الصفحة رقم: 1
توزر عاصمة النخيل والسحر والجمال
 
بلاد نخيلها باسقات و مياهها دافقات وواحاتها ساحراتتوزر عاصمة بلاد الجريد والواحة الغناء على الدوام ومصدر السحر وإلهام الشعراء وقبلة الوافدين من السياح من كل حدب وصوب، بحثا عن الراحة والتمتع بالجمال البديع، مدينة كانت ولاتزال محتفظة بأسرارها لا تبوح بها، إلا لمن تمتنت صلته بها فبادلته حبا بحب ووفاء بوفاء.
 
وصفها الرحّالة التجياني فقال: توزر هي قاعدة البلاد الجريدية وليس في بلاد الجريد غابة أبر منهاوأكثر وتتفرّع عن كل جدول منها مذانب، يقسمونها بينهم على الساعات من النّهار والليل بحساب لهم بذلك معروف ، أمر مقرر مألوف وعلى ذلك الماء أرحاء كثيرة منصوبة ، ومن العجب أن هذا الوادي يحتمل ما يحتمل من غثاء منها ، وهذا ما شاهدته فيها عيانا ، وكثير من أهلها إنما يسكنون بغاباتها ، وبداخل مجمع الماء هناك ومنه يتفرع كما تقدم ويجتمع به القصارون فيشرف هناك ممن الثياب الملونة والأمتعة الموشية ما يعمه على كبره، فيخيل للناظر أنه روض تفتحت ازهاره واطردت أنهاره، وليس بتوزر أحسن من هذا الموضع وهوخارج عن غابتها ، والغاية ملاصقة لصور المدينة ، فهي بذلك تمت حصانتها. هذه هي مدينة توزر عاصمة الجريد، وبلد الثقافة والشعر في تونس والمغرب العربي، تغنى بجمالها الشعراء من قديم الزمان وقتنوا بسحر واحاتها الكثيفة ومياهها المتدفقة، وقد قال فيها عبد العزيز بن حماد متغنيا بجمالها وسحرها:
 
زر توزر إن رمت زورة جنة
 
تجري لك من تحتها الأنهار
 
وقال فيها الشاعر أبوعلي بن إبراهيم:
 
خبر البلاد لمن أتاها توزر
 
يا حبذا ذاك الجنان الأخضر
 
والنخل مثل عرائس مجلوة
 
في سندسيات اللباس تبختر
 
ولقد اشتهرت توزر على الدوام، بانها قطعة من الجنة أودعها الله فوق الأرض، وذلك لجمال واحاتها الكثيفة. وهي مدينة موغلة في القدم، ويرجع أصل انبعاث الحضارة في منطقة الجريد إلى العهد البربري ومازالت الرسوم المنقوشة على الكهوف بجبل البليجي على بعد 5 كلم من تمغزة قائمة إلى الآن وأثبت المؤرخون أن حياة توزر الاقتصادية والثقافية المتطورة قد بدأت إبان العهد الفنيقي والفنيقيون هم الذين أدخلوا إلى المنطقة. النخيل المجلوب من العراق أما في العهد الروماني فقد اشتهرت مدينة توزر بحضارتها وقد كانت تسمى في ذلك الوقت باسم"تيزيرس ( TUSURUS" وازدهرت بها التجارة الصحراوية وكثرت فيها الفنادق والمتاجر لخدمة القوافل التجارية وأسست فيها الكنائس الجميلة، ولا تزال بعض الآثار العمرانية من العهد الروماني قائمة بالمدينة إلى اليوم ومنها السد الرومانيث بوادي الصابون والبئر العميقة المربعة الشكل أمام جامع بلد الحضر...
 
وأثناء الفتح الاسلامي انخرطت توزر في هذا المد العظيم وبقيت محافظة على دورها التجاري والثقافي وكانت قيلة للعديد من الرحالة العرب، الذين زاروها وكتبوا عنها، ومن ذلك ما كتبه عنها البكري الذي وصفها بأجمل الأوصاف وكذلك عثمان بن حجاج في تاريخه حيث أثبت أن الصومعة بجامع توزر شرع في بنائها سنة 412 هجرية وقد تم في سنة 422 هجرية وكذلك الرحالة التيجاني الذي صدرنا بكلامه هذا المقال وابن خلدون والعياشي.
 
ولقد كانت مدينة توزر على الدوام عاصمة للعلم والعلماء، نبع منها العديد من أبنائها في شتى المعارف والعلوم في مختلف الأحقاب والعصور، ومن علمائها أحمد بن ملولب التنوخي وأبوخالد بن يزيد الخمامي في العصر الأغلبي وفي العصر الفاطمي سحنون بن أحمد التنوخي الذي توفي بتوزر سنة 343 هجرية وأبوالفضل النحوي في العصر الصنهاجي الذي ولد بها سنة 434 هجرية ، وتوفي في بجاية سنة 514 هجرية وهوصاحب القصيد الشهير الذي يقول في مطلعه:
 
اشتدي أزمة تنفرجي قد آذن ليلك بالفرج

الصفحات