أنت هنا

قراءة كتاب محمد مهدي الجواهري حياته وشعره

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
محمد مهدي الجواهري حياته وشعره

محمد مهدي الجواهري حياته وشعره

قال الجواهري ذات يوم: «أنا أحب الحياة، وما زلت شاباً في نفسيتي وفي تطلعاتي رغم المائة التي أقرع بابها على قاب قوسين وسنة». أحب الشاعر الحياة، وغنى لها رغم آلامه وأحزانه ورغم غربته وعذاباته.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 6
هذا وقد كانت المحطات في حياة الجواهري كثيرة، ومن هذه المحطات في حياته الأولى، أن أسرته كانت تقصد في الصيف جهة الكوفة قريباً من الفرات وكانت تنزل بيت «الحاج مهدي شمسة» وهي عادة عند أهل النجف، ثم شاءت الأقدار أن تسكن مقابل سكن أسرة الجواهري أسرة بغدادية، وكان الطفل يخرج مع أمه، فيرى بنات الأسر على آخر ما يكون الترف، فينتبه الطفل إلى إحداهن فيؤخذ بها، ويزداد تعلقه بها بعد أن وجد أُنساً وحناناً منها، فكانت تداعبه وتلاعبه وتلفه بعباءتها، فيطمع إلى ما هو أبعد من الاستلطاف، إلى ألفة أشد، ثم يخاف من الفراق، وكأنه لا شعورياً أصبح عاشقاً مغرماً، فيلزم بيتها، يأكل مع أهلها ويخرج معهم إذا خرجوا يتنزهون، ويسهر الليل ثم يعود إلى بيته للنوم، حتى إذا ما لاح الصباح يخف إلى بيت الحبيب، فتهش له وتستأنس بصحبته، ثم يحس بالحرج لأنه يأكل معهم ويشرب الشاي ولا يؤدي واجباً، فخجل من نفسه، وأراد أن يقدم شيئاً، فخطر بباله أن يحضر فحماً لصنع الشاي ليبقى قريباً من الحبيب.
 
وذات يوم وقد خلد أهله إلى النوم، أخذ وعاء وتسلل إلى مكان الفحم في بيته وقبل أن يملأ الوعاء بالفحم، دخل خاله «الشيخ عبدالرسول» البيت في زيارة إلى أخته فاضطرب الطفل في بداية الأمر، ثم وجد الحيلة، فأمسك بأصابعه قطعة من فحم وجعلها طبشورة يكتب بها على الحائط، ودخل خاله ليتوضأ فانسلّ مهدي من البيت ومعه الفحم قاصداً البيت المقابل، ودامت العلاقة أسبوعين لتتحول هذه العلاقة إلى لوحة فسيفسائية في حياته.
 
عاد الأهل من رحلتهم إلى النجف، وعاد الطفل بعد أن حفرت هذه الرحلة ذكرى عميقة في نفسه، ولتكون مرحلة من مراحل حياته القادمة، ليعود إلى الدرس والقراءة والكتابة وارتياد مجالس العمائم واللحى ليتعلم أشياء جديدة، لكن حاجته إلى تحسين خطه الرديء ما زالت تلح عليه، فأرسله والده إلى الشيخ «جناب عالي» الذي ذاعت شهرته في تعليم الصبيان.
 
وذات يوم كان ينزل درج الصحن الذي فيه الشيخ فأصيب بصفرة ودوخة ثم أغمي عليه، فنقله الحاضرون إلى مجلس السيد جواد الرفيعي ورشوا الماء على وجهه وأوصلوه إلى بيته. فسأل أمه عن والده فأخبرته بوفاة «الشيخ ملاّ كاظم»(5) وعلى الفور خفّ إلى مسجد الهندي حيث كان أبوه، ووقف على الباب خائفاً ثم قفل إلى بيته راكضاً، وتكررت هذه الحالة مرات، لكنه وفي اليوم الثالث كسر حالة الخوف وتجرأ على الدخول لأن هذا اليوم هو اليوم الذي يحبه لأنه كان يوم الشعر.

الصفحات