أنت هنا

قراءة كتاب معنى الفن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
معنى الفن

معنى الفن

الفن هو سجل مشاعر الإنسان ومواقفه الجمالية العاطفية إزاء الطبيعية والمجتمع.. بل يكمل أحدهما الآخر وأن تكامل الشخصية يستلزمها أيضا تقدم الحضارة.

تقييمك:
2
Average: 2 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 5
وكل هذه الملكات العقلية التي توصل أرض الأدب بالفن عامة والتي هي المعرفة بذاتها التي توصل الأفق الفني بالفكر الفلسفي، فالفن هو ضرب من ضروب الخيال يرتبط بالمعرفة الإنسانية. والأدب والفلسفة دون شك باحتوائهما على معطيات الإحساس والرؤية هما معرفة إنسانية و (أن الإحساس هو المصدر الوحيد لمعرفة الأشياء في العالم) (18 – ص 54) وكما يرى (ديمقراطيس) في تعريفه لمصطلح الفلسفة التي أوجزها إلى أنها معرفة إنسانية ذات خصائص معينة وهي معرفة لأنها تطلب بدافع اللذة إلى الذات العقلية المجردة في التعبير عن ما يشعر به الإنسان من دهشة وتعجب.
 
وأن الصفة الغالبة والتي تجمع الفنان بالفيلسوف أو الفن بالفلسفة هي في غاية القرابة وتتمثل بالجانب العبقري لما يمتلكه كل منهما في الأداء والتعبير في استخلاص المفردات والرموز وتنقيحها وحبكتها معاً لتصبح كل متجانس وبالتالي تؤدي إلى الإمتاع والشعور باللذة.
 
ومن هنا لابد أن نؤكد أن الرؤية بمعناها الشامل الرؤية البصرية والفكرية "البصرية" ممتزجة مع التطلع الإنساني للوصول إلى أعماق المجهول لاستكشافه وقدرة الإبداع عند الفنان والأديب إلى إضافة مواقف وتجارب جديدة ومستمرة والتي تتطلب قدرة نافذة وديناميكية.
 
فالفن والفكر والفلسفة يتطلبان وجود حالة جديدة باستمرار وأن عالمهما عالم يكتشف ويتطور ويبحث في المجهول، وإن عالم الفن والأدب يجب أن يكون عالماً يحتفي بتجدده واستمراريه فالشاعر والفيلسوف كل منهما يمتلك أدواته في التعبير من خلالهما، وبأسلوبه الفريد عن أفكاره كما يفعلا لرسام والمصمم والمزخرف بأدواته اللونية وخاماته، فالشاعر والأديب مبتكر لغة ومصور أفكار، واللغة عنده هي البحر الذي يعوم فيه ويصور أفكاره وأشعاره وكذلك الفيلسوف يعد الشعر من أدواته الفلسفية إلى درجة قد يصل الكثير من الفلسفة الميتافيزيقيين إلى أني طلقوا عليه وهماً أدبياً.
 
وعلى الأديب أن يرتكز على فلسفة عميقة وأصلية وغنية لتبعده من التعبيرات السمجة إلى الأقوال والأشعار المعبرة والخالدة.
 
ولابد أن نذكر أيضا أن هنالك العديد من العوامل المشتركة ما بين الفنان والشاعر وهي الأرض الخصبة وهي هموم الحياة البشرية والتي هي مناراً للإبداع والتألق الإنساني الخلاق.
 
فالفنان عبر التاريخ درس الإنسان كشكل وبحيث أنه يمتاز عن الطبيعة بحيث أنه يجمع بين الجمال الجسدي من ناحية والعواطف والتعبيرات المتغيرة حسب موقف الحياة نفسها والطبيعة ذاتها ولم تكن النظرة محصورة بالشكل فقط لا بل أحياناً بالمعنى وغالباً ما يتضامن الشكل والمعنى معاً.
 
وفي الأرض الخصبة تلتقي عليها الفنون والآداب والفلسفة وهي الهموم الإنسانية التي أصبحت أرضاً مشتركة للهموم الإنسانية والإبداع الإنساني الخلاق.
 
فالموت احتل جانباً كبيراً من إشكالية الوجود عبر أجوائه وشجنه وانفعاله وأطلق الأديب والشاعر قصائده بذلك الجانب في أجواء يدخلنا فيه عالم الموت... وكذلك الفنان له ممارسات عديدة في التعبير عن إشكالية الموت عبر طقوس جنائزية تقود إلى انطفاء الحياة.
 
والحياة هي من الموضوعات التي استلهمت النبؤة وخلود الإنسان وعبث الحياة وجوهر الوجود.
 
وبين الجمال والقبح البشري، الفرح والحزن الإنساني وكل تلك المتناقضات من الهموم الإنسانية انطلقت فرشة الفنان وقلم الأديب للتعبير عن تلك الهموم، ولكن كلاً بطريقته وبأسلوبه وبتصوره. ومن هنا لابد من الإشادة إلى أن الصورة الفاصلة بين الحلم والواقع.. وبين المستحيل والممكن هي أرض للفلسفة كما هي أرض للفن وهنا نجد (جاستون باشلار) في جدلية الزمن قد جمع في فلسفته بين العلم والحلم، والعقل والمخيلة، الواقع والخيال. وبهذا نكون قد وقفنا على أرض مشتركة بين الفن والفلسفة والفكر وكل في حدوده. فلكل عالمه ووسيلته ومهمته فالفلسفة (بحث عقلي صرف قوامه الحجة والمنطق والاستدلال الحر).
 
أما الفن هو ما يخرجه الفنان من عالم الخيال إلى عالم الواقع ليحدث طرباً أو إعجاباً بالنفس وهو أفضل طريقة للتعبير التي توصل إليها الجنس البشري.
 
فالفن هو معنى لتبليغ رسالة أساسية وهمة في حياة الإنسان وهو طريق للمعرفة وذو قيمة للإنسان شأنه شأن عالم الفلسفة والعلوم. وهو مواز للمعرفة التي بواسطتها يتوصل الإنسان إلى فهم بيئته وعندها يتاح لنا تقدير أهميته من خلال وجوده في المجتمع واكتشاف ذاته. وإن اكتشاف الذات ليس وسيلة تنهي فعلاً من خلال وجوده في المجتمع، لأن الثورة الاجتماعية ليست هدفاً في نفسها ولأنها شرطاً للتجديد الإنساني.

الصفحات