أنت هنا

قراءة كتاب فتيان الزنك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فتيان الزنك

فتيان الزنك

كتاب " فتيان الزنك " ، تأليف : سفيتلانا أليكسييفيتش ، ترجمة :

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 5

لسببٍ ما أحسستُ بالفرح.

بقي الشبَّان عندنا أسبوعاً كاملاً. وأعتقد، من دون أن أحسب، أنهم شربوا ثلاثة صناديق من قناني الفودكا. وفي كل مساء كنت أستقبل في البيت خمسة غرباء. والخامس هو ابني... لم أرد الإصغاء إلى أحاديثهم، وشعرت بالخوف. ولكن حدث مرَّة أن سمعت حديثهم بالصدفة؛ وجاء في حديثهم أنهم جلسوا مرَّة في كمين طيلة أسبوعين، وأُعطيت لهم منشطات بغية أن يصبحوا أكثر جرأة. لكن هذا كله بقي قيد الكتمان. بأي سلاح يتم القتل بشكل أفضل؟ ومن أية مسافة؟ وقد تذكَّرت هذا عندما وقع الحادث كله... ففيما بعد صرت أفكِّر، وأستعيد الذكريات بشكل محموم. وقبل هذا كان الخوف فقط، وكنت أقول لنفسي: «أوه، إنهم جميعاً مجرَّد مخبولين. وجميعهم شاذُّون».

في الليلة التي سبقت اليوم الذي ارتكب فيه جريمة القتل، رأيت في الحلم أنني أنتظر ابني، لكنه لم يحضر على الرغم من انتظاري طويلاً. وإذا بهم يقتادونه، اقتاده "الأفغان2" الأربعة. وألقوا به فوق الأرضية الإسمنتية القذرة في المطبخ عندنا، الأرضية كما في السجن.

في ذلك الوقت كان قد التحق بالكلية التحضيرية في معهد الهندسة اللاسلكية، وكتب تمرين إنشاء جيِّداً، وكان سعيداً لكون جميع العلامات لديه جيدة. وحتى بدأت أفكِّر في أنه صار هادئاً، وسيدرس، ويتزَّوج. لكن حلَّ ذلك المساء... إنني كنت أخشى الأمسيات، جلس يحدِّق في الجدار بنظرات فارغة، ويغفو في المقعد. وَددت أن أنهض وأحتضنه وأمنعه من الذهاب إلى أي مكان. أما الآن فأرى ولدي في الحلم صغيراً ويطلب شيئاً يأكله. إنه يمدُّ ذراعيه. إنني أراه دوماً في الحلم طفلاً صغيراً وذليلاً. أما في الحياة؟! يمكن زيارته في السجن مرتين في الشهر. أربع ساعات من الحديث عبر اللوحة الزجاجية. ويمكن لقاؤه مرتين في العام من أجل إطعامه على الأقل. ونباح الكلاب ذاك... أسمع في الحلم نباح الكلاب ذاك. إنه يلاحقني في كل مكان.

بدأ رجلٌ ما في التودُّد إليَّ، وحمل الزهور. وعندما جاء حاملاً الزهور صرخت به: «ابتعد عني، أنا أم قاتل». كنت أخاف أن ألقى أحد المعارف، وأغلق باب الحمَّام، وأنتظر أن تنهار جدرانه فوقي. تراءى لي أن الجميع في الشارع يعرفونني، ويشيرون إلى بعضهم البعض، ويهمسون: «أتذكر ذلك الحادث الفظيع؟ ابنها قتل رجلاً. قطع أوصال الرجل إرباً إرباً، بالأسلوب الأفغاني...». كنت أخرج من البيت في الليل فقط، وعرفت جميع الطيور الليلية. كنت أعرفها من أصواتها.

بدأ التحقيق، واستمر عدَّة أشهر، وقد لزم ولدي الصمت. سافرت إلى موسكو إلى مستشفى بوردينكو، ووجدت هناك الفتيان الذين خدموا في القوَّات الخاصَّة مثله، وصارحتهم بأمري.

الصفحات