أنت هنا

قراءة كتاب فتيان الزنك

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
فتيان الزنك

فتيان الزنك

كتاب " فتيان الزنك " ، تأليف : سفيتلانا أليكسييفيتش ، ترجمة :

تقييمك:
5
Average: 5 (2 votes)
الصفحة رقم: 10

"للحزن مئة انعكاس" - (وليام شكسبير- ريتشارد الثالث).

جلس في محطَّة الحافلات في قاعة شبه خالية ضابطٌ مع حقيبة سفر، وإلى جانبه فتى هزيل الجسم ذو تسريحة شعر قصيرة كالجنود يعبث بالشوكة في صندوق زرعت فيه نبتة استوائية ذابلة. وجلست إلى جانبه نساء قرويات، وسألن: إلى أين، ولماذا، ومن هما؟ كان الضابط يرافق الجندي إلى بيت أهله بعد أن أصابه مس من الجنون: «إنه، منذ غادرنا كابُل، يحفر كل ما يقع بين يديه، ولا يهم بأي شيء يحفر: بمجرفة وشوكة وعصا وقلم حبر». ورفع الفتى رأسه وقال: «يجب الاختفاء... أنا أحفر حفرة عميقة، وأنا أفعل ذلك بسرعة. كنا نسمِّيها قبوراً جماعية. أنا أحفر حفرة كبيرة من أجلنا جميعاً...».

شاهدت لأوَّل مرَّة مقلة بحجم العين كاملة...

أقف في مقبرة المدينة وحولي مئات الناس. في الوسط، تسعة نعوش مكسوة بقماش أحمر. يتحدَّث العسكريون، وألقى جنرال كلمة. النساء المتَّشحات بالسواد يبكين، والناس في صمت. وثمة فتاة صغيرة بضفيرتين أخذت تنتحب فوق أحد النعوش وتقول: «بابا! باتيوشكا!! أين أنت؟ لقد وعدتني بدمية، دمية جميلة! وقد رسمت لك ألبوماً كاملاً من صور البيوت والأزهار... أنا أنتظرك...». ويحمل ضابط شاب الصبية بيديه ويحملها إلى سيارة «فولغا» سوداء. لكننا نواصل خلال فترة طويلة سماع العويل: «بابا! با-ا-بوتشكا.. أبي الحبيب...».

يخطب الجنرال. والنساء المتَّشحات بالسواد يبكين. ونحن نلتزم الصمت. لماذا نصمت؟

أنا لا أريد أن أصمت. ولا أستطيع الكتابة عن الحرب أكثر.

الصفحات