أنت هنا

قراءة كتاب نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة

نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة

كتاب "نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة"، كتاب نقدي للأكاديمي العراقي د. نجم عبد الله كاظم، صدر عام 2013 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. وحول كتابه الجديد يقول  د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 5

التمهيد النزعة الإنسانية في الأدب

إن عظمة الكاتب تكمن في أن يكون بعضه فيلسوفاً، أو بعضه عالماً، أو بعضه أديباً، ولكن معظمه يجب أن يكون على الدوام إنسانا·
سلامة موسى

( 1 )

كثر، من زمن ليس بالقصير، الكلام عن إنسانية الأدب، والإنسانية في الأدب، وبشكل خاص (الأدب الإنساني)· وإذا كانت معروفةً معاني ودلالات التعبيرين الأولين ومفرداتهما، وهي معان ليست ببعيدة عن معاني التعبيرين حين يُستخدمان أو تستخدم اشتقاقاتهما في غير الأدب، فإن التعبير الثالث لهو حمّالٌ لغير قليل من الاختلافات، خصوصاً حين صار أو كاد يصير مصطلحاً، كما سنأتي إلى ذلك بعد قليل· فقبل أكثر من نصف قرن طرحت مجلة (الآداب) البيروتية، مثلاً، سؤالاً وجّهته إلى عدد من الأدباء عما تراه من ضعف النزعة الإنسانية في الأدب العربي، وعن سبب أو أسباب ذلك، إن كان هو كذلك فعلاً· وكان من الطبيعي أن تأتي الردود مختلفة، فمن الأدباء من قال يومذاك إنه بسبب أن الأدباء العرب ما زالوا يتعالون على الشعوب التي يعيشون بينها ويأكلون لقمتهم من كدّ أبنائها، بل إن منهم من يكرهون الفقراء، ومنهم من علل ذلك في ما سماه كسل الأدباء في معالجة الفنون الأدبية التي تتجلى فيها النزعة الإنسانية، ومنهم من علله بغير ذلك· وبالطبع إننا لا نتناول، في دراستنا، هذه المعاني جميعاً في الأدب عموماً بقدر تناولنا لما نعبر عنه بالنزعة الإنسانية والحضارية في الأدب العربي ممثَّلاً بالرواية العربية تحديداً· وحتى ضمن هذا التحديد فإننا لا نتناول هذه النزعة الإنسانية الحضارية في الرواية جملةً، بل عبر جانب أو موضوع بعينه، نعني العلاقات الحضارية والإنسانية والدولية· فإذا كان اللقاء والحوار ما بين الحضارات ونظرة الإنسان فرداً أو مجتمعاً للآخر موضوعاً لا بد أن تتنافس فيه الرؤى الحضارية والإنسانية المختلفة والرؤى القومية وربما العنصرية، فإن دخول هذا في الأدب الإبداعي يعني بالضرورة أن تلعب النزعة الإنسانية دورها في هذا الأدب الممثَّل عندنا بالرواية· وتبعاً لذلك سيعني تناول الموضوع في هذا الأدب أن تؤخذ النزعة الإنسانية بنظر الاعتبار في هذا التناول، وهذا ما سنقوم به فعلاً حين نتناول صور الغرب والغربيين كما يراهما العربي في الرواية العربية، وهي صور تأتي نتيجة اللقاء بين الشرق أو العرب، والغرب وكما تتشكّل في هذه الرواية· نقول هذا، خصوصاً وقد تبنينا ابتداءً فرضيتنا التي بنيناها على طروحة إدوارد سعيد، ولكن بشكل معاكس، وتعني أن الخطاب العربي عن الغرب قدّم ويقدّم غرباً يريده أصحابه أو يرتسم في لا وعيهم أحياناً وليس الغرب الحقيقي تماماً، وعليه فتتصاعد النزعة الإنسانية في ذلك أو تنحسر وفقاً لدرجة هذه الإرادة الواعية وغير الواعية·
حين نعود اليوم إلى سؤال مجلة (الآداب) عن ضعف النزعة الإنسانية في الأدب العربي الحديث، بحثاً عن جواب، نجد لزاماً علينا الرجوع قبلاً إلى ما يعنيه مصطلح (الأدب الإنساني)· هنا نتذكر ما أشار إليه الفريد نوبل في وصيته حول من هو الأديب الذي تُمنح له الجائزة التي أوصى بها، إذ قال: هو مَن أنتج أدباً هو الأكثر تميّزا في اتجاه مثالي فهنا كان من الطبيعة أن يعني الاتجاه المثالي، من جملة ما يعنيه للكثيرين، الجانب الأخلاقي إلى جانب البعد الإنساني، مع أن الأكاديمية قد صارت في فترات لاحقة تتحرى في الأديب الذي تمنح له الجائزة أن يمتلك قيمة أدبية عالية وذات أهمية لتطور الأدب· وهذا يعني أن الأكاديمية قد تجاوزت تفسيرها للأدب المثالي ذي الدلالة الأخلاقية· ولكن من الواضح أن الأكاديمية لم تتخل عن خاصية (الإنسانية) الأخلاقية ليكون واحداً من خصائص الأدب الذي تريده·
المعنى الآخر للأدب الإنساني، الذي قد يعنيه من يستخدم المصطلح، هو العالمية، وكما قصدها الأديب الشهير غوتة، مثلاً، وتوسعت لدى رائدة الأدب المقارن الفرنسية مدام دي ستال التي تمثلتها بشكل خاص من خلال اهتمامها بالآداب الأوربية معتبرةً أن ثقافات البلدان الأوربية هي ملك لكل الأوروبيين· وإذ لا يتطابق هذا بالطبع مع المعنى أو المعنيين السابقين فإنه لا يخرج بالضرورة عنهما أو يناقضهما، بل هو قد يلتقي معهما انطلاقاً من أن الأدب إذ يلتزم أخلاقياً، خصوصاً من خلال اهتمامه بالإنسان وشؤون الإنسان، ويكون مثاليا، فإنه يكون في النتيجة أكثر تأهّلاً للعالمية·
هنا نقترب كما يقترب المصطلح تلقائيا من معنى أو دلالة أخرى، تلك هي دلالة ما يسمى بالأدب الخالد الذي يتواتر ذكره في النقد والدراسات الأدبية، وربما بشكل أكثر في الصحافة الأدبية· ومعروف أن المقصود به الأدب الذي إذ يبقى ويعيش على مر الزمن، مع بقاء تأثيره وعطائه، فإنه يكون جزءاً من التراث القومي أولاً، والتراث الإنساني الذي لا يموت غالباً· من هنا جاء تعريف البعض له وبما يجمع جل ما قلناه سابقاً كالآتي:
الأدب الإنسانيّ، هو أيّ نصّ، شعرًا كان أم نثرًا، بصرف النّظر عن الأدوات الفنّيّة التي يعتمدها، يحمل معانيَ إنسانيّة خالدة خلود الزّمان·· والمكان·· والإنسان· وهو أيّ نصّ تُرْجِمَ إلى أيّة لغة، ولم يفقد رسالته الإنسانيّة، ولو كان مغرقًا في المحلّيّة·
أخيراً نأتي إلى المعنى أو الدلالة التي تكاد تشتمل، وبدرجات مختلفة، على تلك المعاني والدلالات السابقة كلها، وفي ظل ما قيل الكثير عنه واختُلِف فيه، نعني التزام الأدب والأديب، وهو الالتزام الذي ربطهما، وتحت مفاهيم وآيديوليجيات وأفكار وفلسفات مختلفة، بالإنسان وإنسانية الإنسان وما يتبع ذلك من قيم· وهكذا وجدنا من يقول عن (الأدب الإنساني)، أو بالضرورة عن إنسانية الأدب، الآتي:
يختص هذا النوع من الأدب في الانحياز نحو التعبير عن إنسانية الإنسان، ويساهم في فضح الانتهاكات والتجاوزات على القيم الإنسانية··· وهذا الاصطفاف للأديب مع القيم الإنسانية يؤدي إلى تعريض حياته إلى العديد من المشاكل، ابتداءً من الفقر وانتهاءً بالتنكيل من قوى الشر التي تجد في هذا الاصطفاف خطورة تهدد مصالحها· ويعبر عن ذلك برنارد شو بقوله: (ألم يصبح الأدب كفاحاً، والكفاح أدباً؟)· ويجد البعض أن اصطفاف الأديب إلى جانب القيم الإنسانية والعمل على الدفاع عنها يعود إلى ضمير (الإنسان الأديب)، فكلما كان ضمير الأديب حياً، كان حراً في التعبير والدفاع عن قيم الخير··· وهناك من يجد أن الحرية الحقيقية التي يسعى إليها الأديب هي تعبير عن حرية الضمير، والأديب الذي يمنح ضميره إجازة، في أي مرحلة من مراحل حياته، يفقد حريته، وبذلك نجده يغير من اصطفافه لصالح قوى الشر· ويجد فولتير أن حرية العقل وحرية العقيدة وحرية الضمير هي أثمن ما يملكه البشر· وهنا تكمن عظمة الكاتب والمبدع والأديب الذي ينهل من القيم الإنسانية مادته ويصنع منها آلياتٍ وأسلحةً مضادة ضد قوى الشر التي تسعى لفرض قيمها على سائر البشر· وبهذا يعبر الأديب عن إنسانيته، وبالتالي عن حريته التي دُونَها يفقد آلياته في التعبير· ويعبر سلامة موسى عن ذلك خير تعبير بقوله: (إن عظمة الكاتب تكمن في أن يكون بعضه فيلسوفاً، أو بعضه عالماً، أو بعضه أديباً، ولكن معظمه يجب أن يكون على الدوام إنساناً)· وبهذا فإن الأدب الإنساني، هو تعبير عن الحرية والضمير وقيم الخير والتصدي لقيم الشر المضادة·وهكذا النتاجات الأدبية، لا تعبر عن عظمة وحجم الأديب في عالم الأدب، بل عن ماهية هذه النتاجات الأدبية· فالتقييم للأعمال الأدبية لا يعتمد معيار عدد النتاجات وإنما قيمة هذه النتاجات وما تقدمه لرفد الحضارة الإنسانية·
والواقع أن الكثير قيل وكُتب عن مثل هذا الأدب وعما ارتبط به طويلاً، نعني الالتزام، بل إن هذا الالتزام صار أو كاد يصير المشرّع للأديب ليكون أديباً فعلاً أو لا يكون· أما (الأدب الملتزم) فقد صار عنواناً يترى في كل وقت ومكان، والقول به صار أشبه بالموضة، لاسيما بين مثقفي ما بين الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي· هنا كلنا يتذكر طروحات سارتر في الحرية والالتزام وما قيل من كثير القول والنقاش والآراء في ذلك، وكيف صار القول في الالتزام والأدب الملتزم مطرداً في ما قد يبدو نقيضاً له، نعني الكتابات الوجودية والخطاب الوجودي· في الواقع أن القول بالالتزام في الأدب، وبما يقود إليه من خصائص الإنسان والإنسانية وإيجابية الحياة، قد أخرج الوجودية ذاتها، إلى حد كبير، مما كان أشبه بمَحبس لها عقوداً طويلة، نعني ارتباطها بالتشاؤم والعدمية والسوداوية واليأس· وفي العودة إلى ذلك، في الأدب خصوصاً، وفي الفنون عموماً، فإنه لواضح الآن أن الارتباط بالأدب والإنسان ومعالجة قضاياه قد صار واحداً من مواصفات ما يجب أن يكون عليه الأدب، وتبعاً لذلك صار تقييمه ينطلق من هذا أولاً، على الأقل في مراحل مهمة من مسيرة الأدب الحديث، أو ضمن توجهات مهمة ورئيسة فيه، ولم يكن الأدب العربي ببعيد عنه·
نعرف أن التقييم النقدي للأدب الإبداعي، وفي سعيٍ لطوي صفحة المضمون والموضوع لحساب الشكل والفن، قد انصرف عن ذلك بشكل محدود في الستينيات، وبشكل واسع في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، وفي ظل ازدهار البنيوية بعد ممهداتها المتمثلة في النقد الجديد والتيارات اللغوية الحديثة في النقد· لكن ملامح عودة النقد الموضوعاتي، وبالتالي الاهتمام بالمضامين، قد وسمت المدة التالية، ربما ليعني ذلك، ضمن ما يعنيه، البحث من جديد عن غايات الأدب وأهدافه وربطه بالمجتمع والإنسان والإنسانية·

الصفحات