أنت هنا

قراءة كتاب نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة

نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة

كتاب "نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة"، كتاب نقدي للأكاديمي العراقي د. نجم عبد الله كاظم، صدر عام 2013 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. وحول كتابه الجديد يقول  د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

( 3 )

نتوقف عند طروحة إدوارد سعيد هذه، ليس لعلاقتها الهامشية بالنزعة الإنسانية فحسب، بل لأنها تعكس طروحة نتبناها جزئياً في دراستنا، وبشكل يمكن أن نسميه معاكساً، كما قلنا في المقدمة· وفحوى هذه الطروحة المهمة التي قال بها في كتابه الشهير الاستشراق أن الغربيين، كما تمثّلوا في الاستشراق وخطاب الاستشراق، حين نظروا إلى الشرق فإنهم غالباً نظروا إلى شرق أرادوه أو تخيّلوه أو ارتسم في أذهانهم، وليس الشرق المادي والجغرافي الحقيقي· ووفقاً لذلك انبنت لدينا فرضية فحواها أن الشرق أو العرب متمثَّلين بالروائيين والرواية العربية، حين نظروا إلى الغرب، فإنهم كثيراً ما نظروا إلى غرب أرادوه أو تخيّلوه أو ارتسم في أذهانهم، وليس الغرب المادي والجغرافي الحقيقي· ومن هنا يكون مهماً التوقف عند كتاب إدوارد سعيد هذا لنعرضه باختصار·
لعل من أوليات ما يكشف عنه إدوارد سعيد، في كتابه الاستشراق، صراحةً وضمناً، آلية السلطة والسيطرة والقوة، والآلية التي مارست وتمارس بها المؤسسة الغربية الرسمية السلطة، وكل ذلك في تعامل هذه المؤسسة، وما ينشأ منها من سلطة ومستشرقين، مع الشرق· ولكن الكتاب لا يتعامل مع هذا الشرق المادي والجغرافي الذي نعرفه، بل عن شرقٍ تصوَّرَه الغرب إلى درجة يمكن أن نقول معها إن هذا الغرب- ممثَّلاً بخطاب الاستشراق- كان حين يتصور شرقاً يريده، ينفي وجود الشرق الحقيقي· والغرب حين يفعل ذلك فإنه، وانطلاقاً من فاعلية المعايِن- الغرب- في المعايَن- الشرق- وبالعكس، فإنه يؤدي إلى أن الموضوع المعايَن يبدأ بصياغة المعايِن على صورته· هكذا يصبح الاستشراق كبنية فكرية غربية ممتلكاً للخصائص التي عاينها في الشرق (البنية الفكرية اللا غربية) وتصبح المعرفة بالشرق وشرقنته، جزئياً، شرقنة للذات والمنهج الغربيين كذلك· ويرى سعيد أن الغرب، كونه ثقافياً متقدماً ومتعالياً، كان لا بد أن يؤدي إلى رسم صور مشوهة للشرق، كما قدمها فعلاً الكثير من الآراء الاستشراقية العنصرية كتلك التي لإدوارد لين ورينان وغوبينو وبلفور وكرومر، وغيرهم ليكون الشرق الخاص المختلق أو الملفّق أو المصنوع أو، على الأقل، المشوه، وفي النتيجة أصبح على الغربي أن يقبل الصورة التي خلقها المستشرقون عن الشرق·
ويرى إدوارد أنه منذ منتصف القرن الثامن عشر تبلور عنصران رئيسان في العلاقة بين الشرق والغرب· العنصر الأول، هو المعرفة الأوربية المنظمة المتنامية بالشرق وهي معرفة دعمتها المواجهة الاستعمارية··· أما العنصر الثاني فهو أن علاقة أوربا بالشرق كانت دائماً علاقة القوة··· إن الاستشراق كان في نهاية المطاف رؤية سياسية للواقع، رؤية للفرق بين المألوف (أوربا، نحن) وبين الغريب (الشرق، المشرق، هم)· وكل ذلك انطلاقاً من فرضية رئيسة مفادها أن هناك خطابا للهيمنة، يقوم بفرض تصوره، أو تمثيله للآخر التابع الذي لا يملك خطابا يستطيع أن يمثل نفسه عبره· ولأن الشرق كان، في رؤية الغربيين له، كما أرادوه، فإنه كان في الخطاب الاستشراقي شرقاً لا متغيراً·· هو، في الواقع، نتاج لقوى سياسية وفكرية يمثلها الغرب، وليس الشرق الحقيقي، المادي والجغرافي·
والآن، نحن حين نتبنى جوهر طروحة إدوارد سعيد، فإننا لا نعني هنا تطبيقها حرفياً بالطبع، بل تطبيق رؤيته، ليكون التطبيق هنا بشكل معاكس، إن صح التعبير، وبشكل فرضية نحاول أن نثبت صحتها وتحديد استثاءاتها المتوقعة· وهي تكونت لدينا، من قراءة كتاب إدورد سعيد من جهة أولى، ومن التجربة الشخصية على أرض الواقع، رؤيةً ومعيشةً وتعايشاً، من جهة ثانية، ومن قراءة بعض ما قدمه الأدب العربي الحديث، ولاسيما الرواية وإلى حد ما القصة القصيرة، من جهة ثالثة· تقول فرضيتنا هذه، (إن الروائيين العرب غالباً لم يصوروا، في خطابهم الإبداعي، الغربَ كما هو على أرض الواقع، الغرب الجغرافي المادي، بل كما رأوه ذهنياً وفكرياً، أو كما أرادوا له، وربما تمنوا، أن يكون)· بمعنى أن الكثير مما نراه في الروايات العربية عن الغرب، أفكاراً وأحداثاً وشخصيات وعوالم، ليس بالضرورة هو تمثّل للغرب الحقيقي، نعني الغرب الجغرافي المادي الذي نعرفه ويعرفه العالم، بل هو غرب ذهني- أي في أذهان الروائيين- وهو في النتيجة ورقي مرغوب فيه أن يكون بالشكل الذي تقدمه الروايات لأسباب يتعلق بعضها بالكاتب، وبمرجعياته والمجتمع الذي ينتمي إليه، والظروف الخارجية والسياسة والتاريخ، وهو ما سنسعى، على أية حال، إلى كشفه في ثنايا دراستنا·
بقي، برأيي، أن الذي قال به إدوارد سعيد بصناعة الخطاب الاستشراقي للغرب ليس بجديد في حقيقته، بل هو واقع يتحقق، بدرجة أو بأخرى، في نظرة كل إنسان تقريباً، للآخر، وكل شعب للآخر، وكل أمة لأخرى·· إلخ· لكنّ سعيد صاغه بشكل رؤية وربما نظرية نجح في تطبيقها وإثباتها من خلال تحليله وتفكيكه للخطاب الاستشراقي، ولهذا ليس غريباً أن ينطبق هذا على رؤية العرب، ومنهم الروائيون، للغرب، كما سنسعى إلى بيانه·
ومن جهة ثانية أن رؤية إدورد سعيد قد تكون جزئية من طروحات نظرية ما بعد الاستعمار، التي يُعد، في كل الأحوال، أحد روادها، التي سنتمثل تطبيقياً بعضها، كما قلنا في المقدمة، في عملنا التحليلي والتنظيري، وعليه يكون مهماً التوقف باختصار عندها· والأصل هو أن سعيد قد تناول، في كتاب الاستشراق، الخطاب الاستعماري، المتمثل تطبيقياً لديه، في خطاب الاستشراق· ولكنه في الوقت ذاته شهد بداية مفهوم ما بعد الاستعمار، الذي إذا كان مفهومه الحالي دخل إلى الخطاب النقدي في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات على أيدي: إدوارد سعيد وهومي بابا، وجياتري سبيفاك، فإن نظرية مقاومة الاستعمار تعود إلى بداية حركة الاستعمار ذاتها· أما أهم ما قالت به ليكون طروحاتها الرئيسة فهي:
1) فهم ثنائية الشرق والغرب، ··· وذلك برصد العلاقات التفاعلية التي توجد بينهما سواء أكانت تلك العلاقات إيجابية مبنية على التسامح والتفاهم والتعايش أم مبنية على العدوانوالصراع الجدلي والصدام الحضاري···؛
2) مواجهة التغريب، ··· محاربة سياسة التغريب والتدجين والاستعلاء التي كان ينهجها الغرب في التعامل مع الشرق··· ؛
3) الدفاع عن الهوية الوطنية والقومية، فرفض كتّاب ومثقفو النظرية الاستعمارية الاندماج في الحضارة الغربية، وانتقدوا سياسة الإقصاء والتهميش والهيمنة المركزية، ورفضواكذلك الاستلاب والتدجين···؛
4) علاقة الأنا بالآخر، ترتكز نظرية ما بعد الاستعمار على مناقشة علاقة الأنا والغير··· من أجل فهم العلاقة التفاعلية بين الأنا والغير، هل هي علاقة جدلية سلبية قائمة علىالعدوان والصراع أم هي علاقة إيجابية قائمة على الأُخوّة والصداقة والتعايش والتسامح؟···
5) غربة المنفى، يعيش أغلب المثقفين الذين ينتمون إلى نظرية ما بعد الاستعمار في الغرب منفيين أو لاجئين أو محميين أو معارضين· ومن ثم، ينتقدون مرة بلدانهم الأصلية وواقعها المتخلف، ومرة أخرى، يرفضون سياسة التغريب والتهميش والتمركز الغربي· ويعني هذا أنهم يعيشون تمزقا ذاتيا وموضوعيا، وهم دائما في غربة ذاتية داخل المنفى المكاني والذاتي والعقلي والنفسي كما هو حال جوليا كريستيفا وإدوارد سعيد مثلا···؛
6) التعددية الثقافية، دافع كثير من مثقفي نظرية ما بعد الاستعمار عن التعددية الثقافية، ورفضوا التمركز الثقافي الغربي والثقافة الواحدة المهيمنة، كما رفضواسياسةالتدجين والتغريب والإقصاء· وكل ذلك مما قد نجد غالبية الروايات التي ندرسها تتمثلها كلاًّ أو بعضاً·

الصفحات