أنت هنا

قراءة كتاب نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة

نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة

كتاب "نحن والآخر في الرواية العربية المعاصرة"، كتاب نقدي للأكاديمي العراقي د. نجم عبد الله كاظم، صدر عام 2013 عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر. وحول كتابه الجديد يقول  د.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 9

( 2 )

العامل الأول: معروف أن التصور الغربي عن العرب والإسلام والشرق، بل عن الآخر بشكل عام، هو نتاج تاريخ طويل خاص بالغرب ذاته من جهة أولى، وبما عُرف بالمركزية الأوروبية، وربما أحياناً الأورو- أمريكية، وفي تعامل الغرب (المركز) مع الآخرين (الأطراف) بتعالٍ وتهميش من جهة ثانية، وبالعلاقة بين الغرب والشرق من جهة ثالثة، وبالمعتقدات والخلفيات والمرجعيات الفكرية والدينية من جهة رابعة· وهذا تصور أو رؤية سماها عبد الوهاب المسيري الرؤية المعرفية الإمبريالية وانطوى على شيء منها كتاب إدوارد سعيد الاستشراق وأهم ما يؤخذ على هذا التصور، بمعزل عن تقييمنا له من حيث الصحة والخطأ، أنه نتاج منظور أحادي المعرفة، ونعني بالأحادي هنا، ما عناه الدكتور علي القريشي بها من أنها اعتماد المعرفة على مصدر واحد يتمثل بكل ما هو محسوس أو تجريبي، وبما يرتبط بالحس والتجربة من تفكير عقلاني··· لقد تشكل هذا المنظور عبر ظروف تاريخية واجتماعية شاعت خلالها المدرسة (العقلية) التي تعتبر العقل أساس المعرفة، والمصدر الوحيد الذي يقود إلى فهم الطبيعة والإنسان والمجتمع، ويساعد على اكتشاف قوانينها، بعيداً عن أي منظور غيبي أو رؤية ميتافيزيقية··· ومن كل ذلك تبلور النموذج المعرفي الغربي، الذي قُيّد بالأبعاد المادية والطبيعية والآفاق المحدودة للعقل البشري، دون الاعتراف بما هو ميتافيزيقي أو بما يخرج عن نطاق الحقيقة المادية· فمع عقلانية هذا المنظور، إلا أن تطبيقه قاد أصحابه إلى التعالي على كل ما قد يكون من خصائص الآخرين، الأمر الذي قاد الغرب- ضمن ما قادهم إليه- إلى عدم فهم الآخرين، ومنهم العرب، أو فهمهم كما هم· ويواصل الدكتور علي القريشي: ومن هذا المنطق، وفي سياقاته، ساد المفهوم العلماني لدى أغلب مدارس العلم الغربي، وأُسقطت في غضونه كل الحقائق التي لا تُشتقّ من المدركات المادية، حتى أنه لم يعد للقوانين الإلهية والأخلاقية موضع في التشكيل المعرفي أو في بناء العلوم· فالواقع وحده عندهم مصدر التنظير، وأضحت سلطة المعرفة تتعامل مع العالم كمادة استعمالية· ولكن أي واقع هذا؟ ليس الواقع كما نراه نحن، بل الواقع كما يرونه هم· أي هو ليس الواقع الحقيقي من وجهة النظر العربية الغالبة· وهو الأمر الذي يحيلنا مباشرةً إلى خطاب الاستشراق كما شرّحه إدوارد سعيد في كتابه السالف الذكر· ولعل هذا هو ما ينطبق عليه كلام الدكتور رشيد العناني، وتحديداً حين يكوّن الغرب فكرته أو تصوّره، وضمن ذلك حكمه، عن الآخر الشرقي أو المسلم أو العربي، حين يقول:
كان ذلك عيّنة نموذجية للتصورات الغربية عن الشرق كما طرحها إدوارد سعيد للمناقشة· فدراسته قد حاولت أن ترينا أن هذه التصورات لم تكن نتاج مراقبات وتأملات موضوعية للواقع الإمبريالي- مستعملين تعبير كيسنجر- ولا المنهج الفكري للعقلانية- مستعملين تعبير جيب- بل نتاج صراع سياسي وثقافي طويل يعود بعيداً في التاريخ إلى العصور الوسطى، بالغاً ذروته في استعمار القرنين التاسع عشر والعشرين·
وربما لا يبتعد عن هذا ما يراه البعض حول الاستشراق، من أن المستشرق يرفض أن يحلَّل هو بدوره، وأن يرى تقييماً لنواياه ودوافعه- الواعية منها وغير الواعية- إنه ينصِّب نفسه قاضياً· وهو إذ يفعل ذلك، فشرعه، ومرجعه حضارة الغرب، التي تجعل من نفسها حضارة الإنسان!!! والحقيقة أن هذه الحضارة حين حققت هذه الإنجازات الباهرة، وأنتجت تلك القوة الجبارة المستبدة، جعلت الحضارات الأخرى تتساءل: لماذا تقدم الغرب وتأخرنا؟ ولماذا هم أقوياء؟ إلى آخر ما هنالك من صيغ مختلفة لسؤال جوهري واحد··· والغرب- نفسه- رأى في الشرق ما أراد هو أن يراه··· في الحالين كان الغرب هو الذي يحكم، هو شاهد العصر، يقدم نفسه، ويقدم رؤيته عن الآخرين· فهو العين التي تنظر وتحاكم كما ذكر ذلك ج· كونراد في كتابه: (تحت أعين الغرب)، والعنوان واضح الدلالة· وما يعزز التصور المسبق والقائم على المعرفة التي نسمح لأنفسنا بوصفها المنحازة وغير الصحيحة، تأتي النزعة المركزية الأوربية التي ترى أن الغرب هو العقل والآخرون هم الخرافة، والغرب هو التحضر والآخرون هم التخلف، والغرب هو المركز والآخرون هم الأطراف، وهذا ما ظل مستقراً في وجدان الغربيين وعقولهم سواء السياسية أو النخبة العلمية أو حتى الإنسان العادي· ولهذا فإن المحاججة الرائجة حتى اليوم تقول بأنه لا توجد لدى الثقافات المهمّشة ما يخولها إبداع عقلانية من رحم ثقافتها بالطريقة التي تتناسب مع استيعاب ثقافة المركز الغربي، وبالتالي فإنه ليس أمام أصحاب هذه الثقافات إلا الذوبان بتلك الثقافة· وهذا كان لا بد أن يقود الغرب إلى النظر إلى الآخرين، الذين هم نحن العرب، والشرق عموماً بشكل خاص، والحكم عليهم وعلى كل ما يصدر عنهم، في ضوء مقاييسه هو، نعني الغرب، المحكومة بثقافته وحضارته ومرجعياته، وهي المقاييس التي تقوده إلى اعتبار أن الجنس الأوربي وما يرتبط به من أنماط معرفية وتجارب اجتماعية هو النموذج الذي يُقاس عليه، وبالتالي لا تُقوّم الثقافات والتجارب الأخرى إلا على أساسه· ولعل ما يرتبط بدور هذا العنصر في تكوين منظور الغربي تجاه الآخر هو النزعة العرقية العنصرية، وإن كان مرجع هذا أوربا القديمة، لحضارتيها اليونانية والرومانية، حيث تقسيم الناس إلى طبقات، خصوصاً بيض وملونين، وما إلى ذلك مما يدخل ضمن ما يسمى (مبدأ اللامساواة) الذي طبق في القرنين الأخيرين بشكل خاص على غير الأوربي، وهو مبدأ كثيراً ما تضخم عند دول غربية تجاه بلدان شرقية بعينها، وفي فترات لها خصوصيتها تعلقاً بعلاقة الشرق والغرب· وكل ذلك في ضوء امتلاك الغرب للمعرفة، وتحولها عنده إلى سلطة وقوة يمارسها تجاه الآخرين ممارسة عنصرية متعالية قمعية طاغية· ولنستحضر هنا نموذجاً متأخراً تاريخياً يجسد، على قصر نصّه، الكثير من هذا· يكتب السيناتور الأمريكي إلبرت بيفردج عام 1898 قائلاً لشعبه:
لا تنزعجوا من تحمل مسؤولية هؤلاء الذين وقعت أقدارهم في أيديكم، وسوف تجدون أنهم مخلوقات متعبة: نصف شياطين ونصف أطفال، افهموا أن أمريكا لم يعد في مقدورها أن تهرب من رجولتها· تعالوا كي تمارسوا هذه الرجولة الآن حتى وإن كانت النتيجة جحود فضلكم متذرعين بالشجاعة وبالحكمة، وتعلموا من تجربة من سبقوكم·
وواضح أن الكلمة تعكس تماماً تلك الرؤية والفكر والمصلحة التي كانت وراء تراجيديا حملة الرجل الأوروبي الأبيض على الهنود الحمر، سكان أمريكا الأصليين، وعلى غيرهم في ما بعد·
والواقع أن صورة الشرق عموماً والعرب خصوصاً، من منظور الغرب، قد تطرفت في سلبيتها إلى الحد الذي أعمى الكثيرين، بمن فيهم مفكرون ومستشرقون وسياسيون، عن الرؤية الحقيقية الموضوعية· فهم لم يعودوا يرون من شيء إيجابي يمتلكه العرب والشرقيون على المستوى العقلي والفكري والإبداعي، أو ربما كان بعضهم يتغافل عنه بوعي، بل يحاول أن يجد تفسيراً لما كان يمتلكه تراثاً غير أن يكون وراءه عقل وفكر، كأن لا يكون هذا الذي للعرب، من ثراث وإنجازات حضارية، هو منهم فعلاً· فوفقاً للرحالة ألكسندر كينغليك، مثلاً، أن (ألف ليلة وليلة) من الحيوية والابتكار بحيث يستحيل أن يكون قد أبدعَها (مجرد شرقي هو، من حيث الإبداع، شيء ميت وجاف- مومياء عقلية)· ورغم أن كينغليك يعترف بابتهاج بأنه لا يعرف أي لغة شرقية، فإن جهله لا يقيده عن أن يصدر تعميمات كاسحة عن الشرق، وثقافته، وعقليته، ومجتمعه··· وهو، مثل كثير من الرحالة الآخرين، أكثر اهتماماً بإعادة صنع نفسه وصنع الشرق (ميت وجاف- مومياء عقلية) منه برؤية ما هو في متناول البصر· وهو هنا يتجاوز، وبلا خجل وبلا علمية غريبة، كل ذلك التراث الضخم والطويل للعرب والمسلمين، وهذا بالطبع على افتراض أنه يعرفه· ونحن إذا أردنا مدلول الشرق الأعم، فإن هذا الرحالة وأمثاله يتجاوزون حضارات الشرقيين عموماً، بما في ذلك القديمة المعروفة، العراقية والمصرية والهندية والصينية·
ولا بد أن نتوقف هنا عند مفردة مهمة قد يكون وجودها ضمن هذا العامل غير منفصلة عن بقية مفرداته، وقد يكون حضورها وحدها وكأنها هي ذاتها عامل· تلك هي الإسلام· والكلام في الإسلام والغرب كثير، سواء ما كان على المستوى التاريخي الواقعي، أم على مستوى ما مثله الخطاب الاستشراقي الذي نظن أن صامويل هنتننغتون قد وضحه، في آرائه ومواقفه ومغالطاته العنصرية، بما فيه الكفاية حين قال:
إن مشكلة الغرب ليست في الأصولية الإسلامية، بل هو الإسلام في حد ذاته، لأنه حضارة يعتقد أصحابها بتفوق ثقافتهم، وإن مشكلة الإسلام ليست في مركز الاستخبارات الأمريكية ولا في وزارة الدفاع الأمريكية، بل هي الغرب، لأنه حضارة مختلفة يعتقد أصحابها بعلوهم وتفوق ثقافتهم·
إن أحد أهم من كشف هذا العامل، ونظّر له، وأفرز ما وراءه، وشخّصه، وثبّته بوصفه واقعاً متحققاً، حتى وإن لم ينص عليه، هو إدوارد سعيد، في طروحة دراسته لخطاب الاستشراق وتبعاً لذلك للاستشراق نفسه، كما رأينا· إن الشرق، كما رسم كل تفاصيله خطاب غالبية المستشرقين، سلبي ومخيف وعدو ومهدد للغرب، خصوصاً حين يرتبط- وهو عادة ما يرتبط- بالإسلام· وهكذا فإن إدوارد سعيد يلخص لنا طبيعة نظرة الغرب للعرب، صراحة وضمناً في الكثير من كتبه وكتاباته، لاسيما الاستشراق، من خلال مثال بسيط جداً، فيقول:
إذا قاوم العرب الفلسطينيون الاستيطان الإسرائيلي واحتلال إسرائيل لأراضيهم، فإن ذلك لا يمثل إلا (عودة الإسلام) أو، كما حددها مستشرق معاصر ذائع الصيت، مقاوَمة إسلامية لشعوب لا إسلامية· ويستعير إدوارد سعيد، إضافة إلى هذا، بعض أهم مقولات المستشرقين والغربيين عموماً، مسؤولين وسياسيين ومثقفين وأدباء وفنانين، التي تصب في هذا التصور· فهذا رينان مثلاً يقول:
الأمم الساميّة- مثل أولئك الأفراد الذين لا يمتلكون إلا درجة من الإبداع المخصب··· عرفت ازدهارها وتفتحها الكامل في عمرها الأول، ولم تستطع بعدها على الإطلاق أن تصل درجة البلوغ الحق·

الصفحات