أنت هنا

قراءة كتاب لقاء التاريخ بالعصر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لقاء التاريخ بالعصر

لقاء التاريخ بالعصر

كتاب "لقاء التاريخ بالعصر: دعوة لنبذ الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العقل"، الدراسات الأكاديمية العربية بشأن ابن خلدون ليست بالقليلة··· وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا المفكر في فلسفة التاريخ والاجتماع في الحضارة العربية الإسلامية لم يدخ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2

الباب الأول

خلدونية النهضة الجديدة

ابن خلدون أكثر من ذكرى··· إنه مستقبل !

الذكرى المئوية السادسة لرحيل ابن خلدون (1406هـ - 2006م) مثلت مناسبة مهمة لاستذكار آثاره ومآثره، وظهرت العديد من الكتابات، وعقدت العديد من المؤتمرات لإحياء ذكراه···· ولكن الخلدونية وأفكارها مازالت حبيسة النُخب، على شهرتها، ولم تدخل بعد في تأسيس الثقافة العربية الجديدة المنشودة من أجل النهضة المقبلة·
ذلك أن ابن خلدون أكثر من ذكرى··· إنه مستقبل ! ويجب أن يبقى معنا لعقود مقبلة لنبني من جديد على إبداعه في المشروع النهضوي العربي المنتظر· (تراجع أيضًا مقالة الكاتب بتاريخ 15/3/2006 المعنونة (ابن خلدون مقيمًا في أوضاعنا العربية)، وكذلك ملف (العربي) بشأنه، عدد أغسطس 2005)·
وعندما نقول (مستقبل) فنحن ندرك تمامًا أن الفكر التاريخي والاجتماعي العالمي قد تجاوز ابن خلدون في النظر إلى التاريخ والمجتمع، ولكن العقل العربي الراهن والسائد، على صعيد الوعي الشعبي العام، مازال بأشد الحاجة إلى نهجه العقلي ونهجي العملي الواقعي لفهم خصوصيات مجتمعه، الذي لم يتجاوز نهائيًا النظرات الخلدونية في بعض جوانبه، على الرغم من ضغوط التطورات العالمية المحيطة والمتزايدة· ثم إنه حان الوقت، بل تأخر، لأن تحل النظرة العقلية والواقعية التي جاء بها ابن خلدون إلى واقع التاريخ العربي بمجمله··· أن تحل محل النزعة الرومانسية - والوهمية - السائدة لدى أغلب العرب والمسلمين في نظرهم إلى تاريخهم الذي لم يكتب كتاريخ بعد، خارج إطار الانبهار الأسطوري الغرائبي· أضف إلى أن (ثقافة الشعر) وحدها لن تصلح العقل العربي، ولا بد من موازنتها بعقلانية النثر التي كان من روادها في تراثنا ابن خلدون، ومن الغريب (نفي) هذا المفكر المسلم وأمثاله من وعي المسلم المعاصر، وكأنهم خارجون عن الملة !
وبيت القصيد هنا أنه إذا كان الشعر ديوان العرب، فالنثر لغة العصر، ولا بد من إعادة التوازن إلى ثقافتنا العربية وفكرنا الإسلامي كما أقامه أولئك الرواد·
هذه مسألة (مفصلية) لها تداعياتها وارتباطاتها الأخرى الحيوية· ولعله من المناسب في البداية أن نعدد بإيجاز دواعي هذه الدعوة إلى بذر الفكر الخلدوني في الوعي الشعبي العربي، تمهيدًا لنهضة ثقافية جديدة ومختلفة :
أولاً : جاء ابن خلدون في الفصل الختامي من تاريخ الحضارة العربية الإسلامية، لذلك فإن الزمن وطبيعة التراجع الانحطاطي لحركة التاريخ لم يتيحا لفكره أن يؤسس مدرسة تاريخية واجتماعية جديدة تسير على نهجه في الثقافة العربية· وعندما ينظر الراصد إلى عطاء ابن خلدون في زمنه الصعب، يجده في روحه وتجديده، أقرب إلى إبداعات عصر النهضة الأوربية المنتمية إلى شمال ضفة المتوسط، حيث يبدو ابن خلدون شمعة وحيدة فريدة في ضفة الجنوب، لم تلبث أن لفها الظلام، بعد أن استفادت من إشعاعها مع مثيلاتها في حضـارة الإسـلام، تـلك (النهضة) الجديدة المنطلقة في الشمال·
ثانيًا : عندما بدأت (النهضة) العربية الأولى مطلع العصر الحديث كانت نهضة إحياء أدبي بالدرجة الأولى· ولم تنشغل أساسًا بالفكر الاجتماعي أو التاريخي المنهجي· وإذا كان بعض رجال النهضة - كإمامها الشيخ محمد عبده - قد اهتم بمقدمة ابن خلدون، فقد كان اهتمامًا نخبويًا أو فرديًا محدودًا· أما الثقافة (النهضوية) العامة فقد اتجهت إلى الإحياء الشعري متمثلاً في الشعر العباسي وما قبله، وكان إعلامها هم الشعراء، نظير محمود سامي الباردوي، ثم أحمد شوقي وحافظ ابراهيم، تلاهم المهجريون مثل جبران ومدرسته· هكذا اكتسبت الثقافة العربية الحديثة لونًا أدبيًا وشعريًا طاغيًا، ولم تلتفت إلى التاريخ إلا كحكايا رومانسية (سلسلة قصص جرجي زيدان)، وبقي المتنبي هو المثل الأعلى في الشعر والحكمة، كما كان لدى البدو والحضر· وتواصل في الحياة العربية (الحديثة) الاعتقاد القديم بأن : (الشعر ديوان العرب)، على الرغم مما تحول إليه العالم الحديث من عقلانية علمية تعتمد النثر· هكذا تعمق الانشطار بين (شعر) هو ديوان العرب، و(نثر) هو لغة العصر، وكان من نتائجه تعامل العربي مع موضوعية عالمه بصفة ذاتية شعرية تهزم نفسها بنفسها !
ولا يخالجنا شك في أن الشعر سيبقى في حياة العرب وكل الأمم حاجة نفسية وجمالية لا غنى عن إشباعها، ولكن هذا شيء والتعامل مع واقع العالم الحديث شعرًا، كما يفعل كثير من العرب شيء آخر، لأنه تعامل انفعالي لا يخلو من نزعة انتحارية· واللافت أن الاهتمام في الثقافة العربية الحديثة والمعاصرة منصب على (تأسيس) شعر جديد، أكثر مما هو توجه لتأسيس (نثر جديد) يفي بحاجات العصر العقلية، ولعل في هذه المفارقة ما يفسر جنوح الكتابة الشعرية العربية المعاصرة إلى نثر مأزوم يختلط فيه الشعر بالنقد بالكتابة الفكرية· وإذا كان الشعراء أحرارًا في أساليبهم، التي ينبغي مع ذلك أن تراعي روح الفن، فإن خلط الكتابة النثرية - نقدًا وفكرًا - بمفهوم الشعر، بما يحتمله من تأويلات فنية متباينة، قد جعل من تلك الكتابة النثرية خليطًا هجينًا من التصورات الذاتية التي يستحيل أن تتأسس عليها معرفة عقلية، قادرة على النقد العلمي ومتقبله للمساءلة الفكرية، ناهيك بتأسيس حركة نهضوية ذات وزن·
 

الصفحات