أنت هنا

قراءة كتاب لقاء التاريخ بالعصر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لقاء التاريخ بالعصر

لقاء التاريخ بالعصر

كتاب "لقاء التاريخ بالعصر: دعوة لنبذ الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العقل"، الدراسات الأكاديمية العربية بشأن ابن خلدون ليست بالقليلة··· وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا المفكر في فلسفة التاريخ والاجتماع في الحضارة العربية الإسلامية لم يدخ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 7

يقول ابن خلدون بهدوء موضوعي غريب ومستفز في المقدمة: ( هذا هو غرض هذا الكتاب، وكأن هذا علم مستقل بنفسه · فإنه ذو موضوع وهو العمران البشري والاجتماع الإنساني · واعلم أن الكلام في هذا الغرض مستحدث الصنعة غزير الفائدة، أعثر عليه البحث وأدى إليه الغوص ·· وليس من علم الخطابة)، نعم هكذا ببساطة (ليس من علم الخطابة) !!
هل هي (لكمة) إيقاظ ذهني ؟ هل هي سخرية ؟ هل هو غضب كاتم لغيظه؟ إنه بالتأكيد خروج على (الذوق) الجمعي العربي بل على الظاهرة الصوتية العربية كلها ··· لذا بقي في غربة عنها ···
ولكن إلى متى سيبقى غريبًا عنا · والعالم يفكر اليوم كما فكر ابن خلدون بالأمس ·
لا نريد أن نبالغ في أهمية ابن خلدون، وإلا وقعنا في (علم الخطابة) ! نريد القول : إن لدى الرجل رؤية تحليلية لتكوين المجتمعات العربية لا بد من الإلمام بها قبل الانتقال لغيرها · ذلك أن (بلغاء) الخطاب العربي جاهزون للاعتراض : هل تريدنـا أن نبقى في (أسر) ابن خلدون وقد تجاوزه العالم بقرون · نعم تجاوزه العالم · لكنا كمجتمعات عربية لم نتجاوزه في تكويننا وإن داخلتنا مؤثرات أخرى· فإذن علينا التوقف عند محطته الفكرية المهمة للغاية قبل الوصول إلى محطة كارل ماركس وفيبر وغيرهما من علماء الاجتماع الحديث· فعند محطة ابن خلدون يتضح العمود الفقري للسوسيولوجيا السياسية العربية بالذات، وبعدها إضافات مهمة دون شك، لكنها ليست بدايات أو منطلقات يؤسس عليها ·
عندما أصدرت كتاب (تجديد النهضة) قبل أكثر من عقد من الزمن، ضمنته فصلاً كاملاً بعنوان (خلدونية ·· لا ماركسية : نحو مدرسة ترى الأزمة في خصوصيتها المجتمعية)، كان قصدي فقط التنبيه للأهمية القصوى لفهم (الخاص) في القوانين الاجتماعية إلى جانب (العام) · وهنا أهمية ابن خلدون، أهميته البالغة في تشخيص العرب · فلن تجد لديه في فلسفة التاريخ وصيرورة المجتمع انشغالاً بالقوانين العامة، إنه دائم الحديث عما هو (خاص) في مجتمعات العرب وتاريخهم ··· العرب ضمن تفاعلهم في النطاق الإسلامي مع من جاورهم من (ذوي السلطان الأكبر) ·
لهذا الاعتبار قلت: خلدونية ·· لا ماركسية · وكان عالم الاجتماع العراقي الفذ الدكتور علي الوردي، وهو من أبرز رواد مدرسة ابن خلدون في النصف الثاني من القرن العشرين، يحاول إقناع مجادليه ومواطنيه من الشيوعيين العراقيين أن النظام الزراعي في العراق نظام عشائري وليس نظامًا إقطاعيا، حسب المواصفات الأوربية وحسب توصيف الماركسية· وكان يقول بتواضع جم : أتمنى أن أكون مخطئًا ·· لكنه نظام عشائري !
ولكن يبقى، بطبيعة الحال، أن علم الاجتماع الماركسي (وليس خطابه الايدولوجي) ما زال يحمل الكثير من التحليلات الصائبة أو القريبة من الصحة، في تحليله لظواهر الاجتماع والاقتصاد والسياسة· بل إني أعتقد أن هذا العلم، في حدوده المنهجية الخاضعة لمقاييس الصواب والخطأ، يحتفظ بمصداقية أقوى بعد سقوط الأنظمة الشيوعية الناطقة باسمه، والتي لم تكن أمينة له بقـدر ما كانت حريصة على تسـلطها ومصالحها كما في كل تسـلط ··· فمـن قبل بقي المسيح (غريبًا) في كهنوت الكنائس الرسمية ·
ويبقى أن المسألة ليست في المفاضلة المطلقة بين ابن خلدون ومدارس علم الاجتماع الحديث - ومنها علم الاجتماع الماركسي - على طريقة (إما وإما) السائدة في الخطاب العربي إلى يومنا · فمن أجل تشخيص وفهم أفضل، ثم تغيير أصح، للمجتمعات العربية، لابد من الوقوف عند ابن خلدون ثم استكمال تجاوزه بالطريقة المنهجية السليمة، لا بالتجاوز السطحي أو الشكلي كما في بعض مدارس الحداثة ! ··· ومازال الهدف فهم الواقع من أجل تغييره ·

الصفحات