أنت هنا

قراءة كتاب لقاء التاريخ بالعصر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
لقاء التاريخ بالعصر

لقاء التاريخ بالعصر

كتاب "لقاء التاريخ بالعصر: دعوة لنبذ الخلدونية بأبعادها المعاصرة في وعي الشعب تأسيساً لثقافة العقل"، الدراسات الأكاديمية العربية بشأن ابن خلدون ليست بالقليلة··· وعلى الرغم من ذلك، فإن هذا المفكر في فلسفة التاريخ والاجتماع في الحضارة العربية الإسلامية لم يدخ

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

أفكار حبيسة ···هل تطلقها ضرورة الإصلاح ؟

لعل أفضل مدخل للتعرف إلى حقيقة فكر ابن خلدون، الوقوف عند بعض لمحاته الرائعة في الفكر السياسي القائم على التشخيص المجتمعي الدقيق، لأوضاع المجتمع العربي في سياقه التاريخي، الذي مازال ماثلاً ومؤثرًا إلى درجة كبيرة (ومن لا يستفيد من أخطاء تاريخه، محكوم بإعادتها···)·
وإذا كان فكر ابن خلدون قد جاء في الماضي في ختام المشهد الحضاري العربي، فلم يتأسس عليه بناء فكري يذكر، كما لم يستوعبه فكر النهضة الحديثة الذي افتقر إلى الواقعية الاجتماعية وانشغل بالرومانسيات التاريخية، فالمفروض، قبل فوات الأوان، أن نؤسس عليه اليوم فكرًا مجتمعيًا للمراجعة والتصحيح، فواقعنا الاجتماعي المتوارث تاريخيًا من زمن ابن خلدون، وما قبل، يحتم علينا الرجوع لابن خلدون، والبدء به، في فكرنا الاجتماعي الجديد، إن أردنا له أن يحقق فهمًا للواقع وقدرةً على تغييره·
بداية نذكر ما أشار إليه باحثون عدة في فكر ابن خلدون إلى أنه كان رائدًا في الإرهاص والإيماء إلى مسألتين مهمتين، تنبّه إليهما الفكر الحديث بعامة، وذلك قبل أن نركز على ما خص به الواقع العربي من تشخيص ونقد :
أولاً: إن القيمة الاقتصادية للسلعة يحددها الجهد الإنساني (العمالي) المبذول فيها وليس مجرد قيمتها المادية· وهي مسألة انبنى عليها الفكر الاجتماعي الحديث - الاشتراكي بخاصة - في دعوته إلى إنصاف العمال الذين يضيف جهدهم إلى قيمة السلعة، أحيانًا في ظروف قاسية· وهي قيمة يستفيد منها الرأسماليون عادة في النظم التي لا تنصف العمال· لم يصل ابن خلدون إلى هذه الدعوة الصريحة لكنه اقترب كثيرًا من مضمونها الفكري· وذلك ما يفسر احتفاء كتاب يساريين عرب به وإن لم يكن حكرًا عليهم، إذا لاحظنا، منذ مطلع النهضة، اهتمام الشيخ الإمام محمد عبده به، وكذلك طه حسين، وساطع الحصري· ولكن الحقيقة أن هؤلاء المفكرين الكبار لم يستطيعوا إدماج فكره (الاجتماعي) في ثقافة النهضة أو الحركة القومية· ومن أسوأ ما تعرض له ابن خلدون اتهام د· محمود إسماعيل له (1976) بالسطو على أفكار (إخوان الصفا) في فلسفته الاجتماعية، على الرغم من عقلانيته البارزة وقصور فكر (الإخوان) عنها أساسًا· ومازال ابن خلدون يثير حماسة الكتاب العرب؛ فتتراوح أعمالهم بين نقد لاذع وروايات تدمج التاريخ بالمتخيل، كما في كتابات د· سالم حميش الذي وجدته أكثر الباحثين العرب المعاصرين متابعة للخلدونية في تلاوينها·
ثانيًا : أنه أومأ إلى شـيء قريب جـدًا من الفكرة القومية الجامعة عندما تحدث عن (دولة العرب)، ثم (دولة الفرس)، ثم (دولة الترك) في سياق التاريخ الإسلامي· صحيح أنه بنى فكره في تفسـير الاجتماع والتاريخ لدى العرب على (العصبية القبلية) - وهو واقع لا يستطيع أي مفكر حقيقي تجاهله - لكنه أشار أيضًا إلى أن تلك العصائب القبلية إذا تحالفت، خاصةً في ظل (دعوة دينية)، تسـتطيع أن تؤسـس لتحالف أوسع بينها يسـتند إلى حقيقة كونها منتمية إلى (قوم) متميز من الأقوام·
يقول في المقدمة : ( فتتألف كلمة القوم لإظهار الحق، ويتم اجتماعهم، ويحصل لهم التغلب (أي بتأثير الدعوة) المزيلة للغلظة والأنفة ومذمومات الأخلاق··· وسرّه أن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل والميل إلى الدنيا، حصل التنافس ونشأ الخلاف، وإذا انصرفت إلى الحق، اتحدت وجهتها، واتسع نطاق الكلمة لذلك فعظمت الدولة···)
وهذا يعني أن ابن خلدون يسـجل ويقرّ لمثاليات الدعوة والقيم دورها في لم الشمل القومي، لكنه لا يغفل أن لم الشمل ممكن أساسًا لتشابه (القوم) كما تقدم· (تراجع دراسة الكاتب في مجلة (العربي): مارس 1983 بعنوان : (ابن خلدون وسيطًا بين العروبييـن والإسـلاميين) - وفي كتاب (العربي): (مراجعات في الفكر القومي)، رقم 57 الصادر في 15/7/2004)·

الصفحات