أنت هنا

قراءة كتاب رسالة في الختان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رسالة في الختان

رسالة في الختان

لم أكتب هذه الرسالة لأنال بها درجة علمية فقد حصلت على شهادة الدكتوراه في الطب عام 1957، كما أنني لم أكتبها لأكسب ثروة مادية أو شهرة معنوية، بل سلكت منهج من سبقني من الأطباء المسلمين الأوائل فدونت خبرتي في حقل الختان خلال مدة طويلة من ممارستي مهنة الطب العام

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار المأمون
الصفحة رقم: 10
في خطابه عن منهاجه لو نجح في الوصول إلى «قصر الإليزيه» قال «لوبان: زعيم اليمن المتطرف أنه سيمنع الهجرة من إفريقيا لأن المهاجرين الإفريقيين «يختتنون» وبناتهم يضعن الحجاب، وليس في حضارة فرنسا وأوروبا الختان والحجاب وكأنه يخص بذلك المسلمين الإفريقيين كما علق بعض المتحدثين.
كان ذلك في 19/4/2007 في مشهد في فضائية الجزيرة وهي تثبت نشره خاصة عن كل مرشح من المرشحين الأربعة الذين سينتخب الشعب الفرنسي واحداً منهم لرئاسة الجمهورية.
كانت واحدة من الأربعة سيدة حصلت على المرتبة الثانية وكانت «ليبرالية»، أما ساركوزي الذي حصل على المرتبة الأولى فهو من أصل «مجري» هاجر أبوه من بلده إلى فرنسا أثناء الاحتلال السوفيتي لبلده. ويبدو أنه كان «ديغوليا»، وكان «لوبان» الأقل حظاً وبفارق كبير عن زملائه الثلاثة؛ مما يؤكد أن الشعب الفرنسي لا يعير تلك الآراء العنصرية أية أهمية لتبقى فرنسا بلد الحرية في مفهومها الواسع. والغريب أنهم كانوا يذهبون إلى مساكن الإفريقيين في محيط باريس يطلبون عنهم انتخابهم ليحققوا لهم بعض مطالبهم ويزيلوا منهم بعض مظالمهم.
ومن القصص التي لها علاقة بتاريخ الختان محاكمة الأفشين في زمن خلافة المعتصم بالله العباسي. وسأذكرها لطرافتها فكأننا نرى محكمة عسكرية في مشهد تلفزيوني، وفي عام 222هـ.
كان «الأفشين» أحد أشهر القادة غير العرب في جيش المعتصم وكان تركي الأصل من بلدة «أشروسنة» معجباً بالمجوسية والبوذية ويخفي عقيدته بمبدأ «التقية» فهو يتظاهر بالإسلام ويتفاخر بأنه لا يأكل الشاة المذبوحة بل يأكل المختنقة حيث يخنقها ثم يشقها نصفين بسيفه ويدوس على كل نصف منها قبل طبخها، وكذلك يتفاخر بأنه لم «يختتن» ولم «ينتف شعر العانة»، كان يصف العرب بصفات غير لائقة، وكان يقول إني دخلت لهؤلاء القوم في كل شيء أكرهه حتى أكلتُ لهم الزيت وركبت الجمل ولبست النعل، غير أني إلى هذه الغاية لم تسقط عني شعرة يعني لم يطَّلِ ولم يختتن.
حاول الأفشين قتل المعتصم وأركان دولته بالسُّم بعد أن دعاهم إلى وليمة في داره لكن المعتصم انشغل وغاب ولم يحضر بقية القوم بعد أن علموا أن هناك مؤامرة لقتل الجميع، ولما انكشف أمره سجنه المعتصم بسجن انفرادي وضع عليه حرساً خاصاً وكان يرسل له رغيفاً كل يوم كي يموت من الهزال وأمر بتشكيل محكمة خاصة لمحاكمته، يذكرها الطبري في الجزء العاشر ص 110، وفي سياق المحاكمة قال له ابن أبي داوود: أمُطَّهرٌ أنت؟ قال لا: قال: فما منعك من ذلك، وبه تمام الإسلام، والطُّهور خُلُوُّ النجاسة! قال: أو ليس في دين الإسلام استعمال التقية؟
قال: بلى، قال: خفت أن أقطع ذلك العضو من جسدي فأموت، قال: أنت تطعن بالرمح، وتضرب بالسيف، فلا يمنعك ذلك من أن تكون في الحرب، وتجزع من قطع «قلفة»؟ قال: تلك ضرورة تعنيني فأصبر عليها إذا وقعت، وهذا شيء استجلبه فلا آمن معه خروج نفسي، ولم أعلم أن في تركها الخروج من الإسلام، فقال ابن أبي داوود؛ قد بان لكم أمره يا «بُغا» عليك به. ثم أخذ بمجامع القباء من عند عنقه ثم أخرجه من باب الوزيريّ إلى محبسه.
وكان أحمد بن أبي داوود دعا به في دار العامة من الحبس فقال له: قد بلغ أمير المؤمنين (يعني المعتصم) أنّك يا حيدر «أقلف» قال: نعم؛ وإنما أراد ابن أبي داوود أن يُشهّد عليه، فإن تكَشّف نُسِبَ إلى «الخرع» وإن لم يتكشّف صح عليه أنه أقلف، فقال نعم أنا أقلف. وأراده أن يخرج ويتكشف أمام الناس إلا أن الأفشين رفض وقال يريد أن يفضحني، فالموت أحب إليّ من أن أتكشف بين أيدي الناس، فقال: أنت عندي صدوق وما أريد أن تكشّف، وقيل إنه لما مات كشف عليه المعتصم وتبين أنه غير مختون.
سأذكر هنا بعض ما ورد في كتاب الحيوان للجاحظ – الكتاب الأول – الجزء السابع- نشر مكتبة مصطفى البابي الحلبي؛ بعنوان: «الختان عند اليهود والمسلمين والنصارى»:
وزعم ناسٌ من أطباء النصارى وهم أعداء اليهود، أن اليهود يختنون أولادهم في اليوم الثامن وأن ذلك يقع ويوافقه أن يكون في الصحيحين – معنى هذه الكلمة الصيف والشتاء في أشد حالاتهما- «كما يوافق الفصلين» وأنهم لم يروْا قط يهودياً أصابه مكروه من قبل الختان، وأنهم قد رأَوا من أولاد المسلمين والنصارى ما لا يحصى ممن لقي المكروه في ختانه إذا كان ذلك في الصحيحيْن من ريح الحُمرة – وهو ما نُسميه الآن مرض الحُمرة Erysipelas – ومن قطع طرف الكمرة – الحشفة- ومن أن تكون الموسى حديثة عهد بالإجراء وسقي الماء فتُشيط ذلك الكمرة ويعتريها برص أي التهاب، والصبي ابن ثمانية أيام أعسر – أظنها يجب أن تكون أيسر – «ختاناً»، من الغلام الذي قد شب وشدن وقوي، إلا أن ذلك البرص لا يتفشى ولا يعدو مكانه وهو في ذلك كنحو البرص الذي يكون من الكي وإحراق النار فإنهما يفحشان ولا يتسعان.
ويذكر تحت عنوان «ختان أولاد السفلة وأولاد الملوك وأشباههم».
ويختتن من أولاد السفلة والفقراء الجماعة الكثيرة فيؤمن عليهم خطأُ الخاتن وذلك غير مأمون على أولاد الملوك وأشباه الملوك، لفرط الاجتهاد وشدة الاحتياط (وهو ما نسميه فيما بيننا الأطباء مرض التوصية Recomonditis) ومع ذلك يزمع –أي يندهش- ومع الزمع والرَّعدة يقع الخطأ، وعلى قدر رعدة اليد ينال القلب من الاضطراب على حسب ذلك. وليس من التدبير أن يُحضر الصبي والخاتن إلا سفلة الخدم ولا يحضره من يهاب.
وعبر الزمن مات الكثير من أبناء المسلمين بسبب النزف بعد عملية الختان؛ ونحن الآن نعرف الأسباب ونتخذ الاحتياطات اللازمة، وهم لم يكونوا يعرفون مرض النزف عند الوليد بسبب نقص v:t:k، ولم يكونوا يعرفون مرض الناعور «الهيموفيليا» والذي تنقله الأم وراثة إلى الأطفال الذكور فيصاب أكثر من طفل لتلك الأم بالنزف ويموت الطفل ويتصور الأب أن شيئاً غريباً عند الأم سيما وأنهم كانوا يتزوجون أكثر من واحدة فيموت أطفال تلك الزوجة عند الختان ولذلك أرى قلة الإصابة بالناعور عند المسلمين الآن، حيث ماتوا مع الزمن فقد كانوا يتزوجون من نفس العائلة أو القبيلة ثم صاروا «يغربون النكاح» (حسب المندوب في الشريعة الإسلامية) فقلَّت الإصابة بالناعور.
وفي صورة شعاعية «لمومياء» (أحموس الأول) ابن (سيناتاو) توضّح صورة الحوض أنه غير مختون وهذا على عكس ما كان عليه أكثر المصريين، وهذا يجعلنا نظن أن ذلك الفرعون كان معتل الصحة وربما كان مصاباً بالناعور ولذلك لم يختنوه.

الصفحات