أنت هنا

قراءة كتاب طرائف من التراث

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
طرائف من التراث

طرائف من التراث

قد يضحك الشخص أنا أو أنت أو غيرنا وقد نبكي كلنا أو بعضنا، ولما نضحك فإن ضحكنا إنما هو سعي منا للسعادة، وبكاؤنا إنما لبكائنا على سعادة فقدت أو نحن نخشى من زوالها.

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 1

بسم الله الرحمن الرحيم

أما بعد:
قد يضحك الشخص أنا أو أنت أو غيرنا وقد نبكي كلنا أو بعضنا، ولما نضحك فإن ضحكنا إنما هو سعي منا للسعادة، وبكاؤنا إنما لبكائنا على سعادة فقدت أو نحن نخشى من زوالها.
وكما أن البكاء حاجة إنسانية يفرغ من خلاله أحزانه وهمومه ويجلي صدره، والتجهم ليس قرينه، ومن الناس من اعتاد عدم الضحك، فهذا شأن لهم ومن الناس من منظره بريد التجهم الذي يخفي وراءه أشياء ، ومن الناس فمرآه يدل على تشاؤمه، فهذا خطير وضعه، تجتنب رفقته!
وكذلك الضحك إنما هو حاجة إنسانية، وليس كل الضحك يأتي من خلال الطرفة أو التهريج، بل السعادة أصل ذلك كله.
وللضحك آداب وأحكام ومقدار، وهو علم بذاته أو قلْ: فن، ولا أقصد بذلك مقابل التمثيل والرقص ... بل ذلك موهبة من الله لأشخاص، يمكن تنميته وتطويره.
ولكن في الزمان الحالي أصبحت ترى أتعس الناس أكثرهم ضحكاً وأسرعهم بديهة في الطرف اللاذعة والأجوبة المسكتة، بل وأحلاهم وأظرفهم لفظاً، لا ولا تستطيع إيقافهم حين البدء بسرد ما عندهم، فلا تغركم المظاهر، والمؤمن صبور كتوم.
وخير من يتعلم منه آداب الضحك: معلم البشرية عليه الصلاة والسلام والمبلغ عن خالق المخلوقات العالم بما يصلح للناس ومقداره وزمانه ومكانه.
فكان صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً؛ فقد روى أبو هريرة، قال: قال رسول الله: ((إني لا أقول إلا حقاً))، قال بعض أصحابه: فإنك تداعبنا يا رسول الله! فقال: ((إني لا أقول إلا حقاً))(1).
قال المناوي في شرح الحديث(2): المداعبة مطلوبة محبوبة لكن في مواطن مخصوصة، فليس في كل آن يصلح المزاح ولا في كل وقت يحسن الجد ، قال:
أهـازل حيـث الهزل يحسن بالفتى وإني إذا جـد الرجـال لذو جد
وقال الراغب: المزاح والمداعبة إذا كان على الاقتصاد محمود والإفراط فيه يذهب البهاء ويجري السفهاء وتركه يقبض المؤانس ويوحش المخالط لكن الاقتصاد منه صعب جداً لا يكاد يوقف عليه، ولذلك يخرج عنه أكثر الحكماء حيث قيل: المزاح مسلبة للبهاء مقطعة للإخاء فَحْلُ لا ينتج إلا الشر.
أما ما روى الترمذي (1995) والبخاري في ((الأدب المفرد)) (394) وغيرهما عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
((لا تمار أخاك ولا تمازحه ولا تعده موعدة فتخلف))(3).
قال الذهبي في ((تذكرة الحفاظ)) عقبه (2 / 634): المزاح قد رخص في يسيره(4).
ومن مزحه ( ما رواه أنس بن مالك: أن رجلاً استحمل(5) رسول الله ( فقال: ((إني حاملك على ولد الناقة)).
فقال: يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة؟
فقال رسول الله (: ((وهل تلد الإبل إلا النوق))؟
قال أبو عيسى الترمذي(6): هذا حديث حسن صحيح غريب. وصححه الضياء والألباني.
وقال لأنس: ((يا ذا الأذنين))(7)، والصغير يفهمها كبرهما، وكلنا بأذنين.
وحذر ( من الكذب لإضحاك الناس، بل ويجمعون معه الغيبة للناس أو طوائف معينة ، بل وبهتانهم والافتراء عليهم؛ فعن معاوية بن حيدة قال: سمعت نبي الله ( يقول: ((ويل للذي يحدث فيكذب ويضحك به القوم ويل له ويل له))(8) .
ومثل هذا يحدث الآن في كل العالم، فلا تكاد تجد بلداً إلا وفيه من يهزأ الناس به، وسبق لنا وحذرنا من نجالسه من هذه الغيبة وتضييع الحسنات، ومثل ذلك ما يحصل عندنا في الأردن من تقصد أهل الطفيلة بذلك، وهم أناس ـ في غالبهم طيبيـن بسطاء ـ حصلت عندهم بعض الطرائف التي لا تخلو منها أمة من الأمم وخاصة حين يتعاملون مع ما يـجهلون ما اخترع في عصرنا الحال مما لا عهد لهم به.

الصفحات