أنت هنا

قراءة كتاب جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم

جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم

كتاب "جامع العلوم والحكم في شرح خمسين حديثا من جوامع الكلم"، لِلْحَافِظِ ابْنِ رَجَبٍ الحَنْبَلِيِّ مُحَلَّى بِأَحْكَامِ الشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إِعْدَاد وَتَخْرِيج حازم خنفر، ويقول الأخير

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

فصل

وأما النية بالمعنى الذي يذكره الفقهاء _ وهو تمييز العبادات من العادات ، وتمييز العبادات بعضها من بعض _ ؛ فإن الإمساك عن الأكل والشرب يقع تارةً حميةً ، وتارةً لعدم القدرة على الأكل ، وتارةً تركاً للشهوات لله _ عز وجل _ ، فيحتاج في الصيام إلى نية ليتميز بذلك عن ترك الطعام على غير هذا الوجه .
وكذلك العبادات ؛ كالصلاة ، والصيام ، منها فرض ، ومنها نفل ، والفرض يتنوع أنواعاً ؛ فإن الصلوات المفروضات خمس صلوات كل يوم وليلة ، والصوم الواجب تارةً يكون صيام رمضان ، وتارةً صيام كفارة أو عن نذر ، ولا يتميز هذا كله إلا بالنية .
وكذلك الصدقة تكون نفلاً وتكون فرضاً ، والفرض منه زكاة ومنه كفارة ، ولا يتميز ذلك إلا بالنية ، فيدخل ذلك في عموم قوله ﷺ : «وإنما لكل امرئ ما نوى» .
وفي بعض ذلك اختلاف مشهور بين العلماء ؛ فإن منهم من لا يوجب تعيين النية للصلاة المفروضة ؛ بل يكفي عنده أن ينوي فرض الوقت وإن لم يستحضر تسميته في الحال ، وهو رواية عن الإمام أحمد .
وينبني على هذا القول أن من فاتته صلاة من يوم وليلة ، ونسي عينها أن عليه أن يقضي ثلاث صلوات : الفجر ، والمغرب ، ورباعيةً واحدةً .
وكذلك ذهب طائفة من العلماء إلى أن صيام رمضان لايحتاج إلى نية تعيينية _ أيضاً _ ؛ بل تجزئ بنية الصيام مطلقاً ؛ لأن وقته غير قابل لصيام آخر ، وهو _ أيضاً _ رواية عن الإمام أحمد .
وربما حكي عن بعضهم أن صيام رمضان لا يحتاج إلى نية بالكلية لتعيينه بنفسه ، فهو كرد الودائع .
وحكي عن الأوزاعي أن الزكاة كذلك ، وتأول بعضهم قوله على أنه أراد أنها تجزئ بنية الصدقة المطلقة كالحج .
وكذلك قال أبو حنيفة : لو تصدق بالنصاب كله من غير نية أجزأه عن زكاته .
وقد روي عن النبي ﷺ ، أنه سمع رجلاً يلبي بالحج عن رجل ، فقال له : «أحججت عن نفسك ؟» ، قال : لا ، قال : «هذه عن نفسك ، ثم حج عن الرجل» .
وقد تكلم في صحة هذا الحديث ، ولكنه صحيح عن ابن عباس _ وغيره _ ، وأخذ بذلك الشافعي وأحمد في المشهور عنه _ وغيرهما _ في أن حجة الإسلام تسقط بنية الحج مطلقاً ؛ سواءً نوى التطوع أو غيره ، ولا يشترط للحج تعيين النية ، فمن حج عن غيره ولم يحجعن نفسه ؛ وقع عن نفسه ، وكذلك لو حج عن نذره أو نفلاً ولم يكن حج حجة الإسلام ؛ فإنها ينقلب عنها .
وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه أمر أصحابه في حجة الوداع بعد ما دخلوا معه ، وطافوا ، وسعوا أن يفسخوا حجهم ويجعلوها عمرةً ، وكان منهم القارن والمفرد ، وإنما كان طوافهم عند قدومهم طواف القدوم وليس بفرض ، وقد أمرهم أن يجعلوه طواف عمرة وهو فرض .
وقد أخذ بذلك الإمام أحمد في فسخ الحج ، وعمل به ، وهو مشكل على أصله ؛ فإنه يوجب تعيين الطواف الواجب للحج والعمرة بالنية ، وخالفه في ذلك أكثر الفقهاء ؛ كمالك ، والشافعي ، وأبي حنيفة .
وقد يفرق الإمام أحمد بين أن يكون طوافه في إحرام انقلب كالإحرام الذي يفسخه ويجعله عمرةً ، فينقلب الطواف فيه تبعاً لانقلاب إحرامه كما ينقلب الطواف في الإحرام الذي نوى به التطوع إذا كان عليه حجة الإسلام تبعاً لانقلاب الإحرام من أصله ووقوعه عن فرضه ، بخلاف ما إذا طاف للزيارة بنية الوداع أو التطوع ؛ فإن هذا لا يجزئه ؛ لأنه لم ينو به الفرض ، ولم ينقلب فرضاً تبعاً لانقلاب إحرامه _ والله أعلم _ .
ومما يدخل في هذا الباب : أن رجلاً في عهد النبي ﷺ كان قد وضع صدقته عند رجل ، فجاء ابن صاحب الصدقة ، فأخذها ممن هي عنده ، فعلم بذلك أبوه ، فخاصمه إلى النبي ﷺ ، وقال : ما إياك أردت ، فقال النبيًّ ﷺ للمتصدق : «لك ما نويت» ، وقال للآخذ : «لك ما أخذت» ، خرجه البخاري[رواه البخاري (1422)].
وقد أخذ الإمام أحمد بهذا الحديث ، وعمل به في المنصوص عنه ، وإن كان أكثر أصحابه على خلافه ؛ فإن الرجل إنما يمنع من دفع الصدقة إلى ولده ؛ خشية أن يكون محاباةً ، فإذا وصلت إلى ولده من حيث لا يشعر ؛ كانت المحاباة منتفيةً ، وهو من أهل استحقاق الصدقة في نفس الأمر ، ولهذا لو دفع صدقته إلى من يظنه فقيراً وكان غنيًّا في نفس الأمر ؛ أجزأته _ على الصحيح _ ؛ لأنه إنما دفع إلى من يعتقد استحقاقه ، والفقر أمر خفي لا يكاد يطلع على حقيقته .
وأما الطهارة ؛ فالخلاف في اشتراط النية لها مشهور ، وهو يرجع إلى أن الطهارة للصلاة هل هي عبادة مستقلة أم هي شرط من شروط الصلاة ؛ كإزالة النجاسة وستر العورة ؟
فمن لم يشترط لها النية جعلها كسائر شروط الصلاة ، ومن اشترط لها النية جعلها عبادةً مستقلةً ، فإذا كانت عبادةً في نفسها ؛ لم تصح بدون نية ، وهذا قول جمهور العلماء .

الصفحات