أنت هنا

قراءة كتاب الخواجا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الخواجا

الخواجا

"الخواجا" هذه مجموعة من القصص والحكايا والطّرائف اللطيفة التقطتها عينا الكاتبة الشّابة فدى جريس من أفواه الكبار سنّاً من أهل قريتها الجليليّة الجميلة، وأعادت نسيجها بمغزلها العصريّ وهي تحمل القارئ على جناحي غمامة فلسطينيّة إلى سنوات خالية فيها طيبة الناس وس

تقييمك:
3.333335
Average: 3.3 (3 votes)
المؤلف:
دار النشر: مكتبة كل شيء
الصفحة رقم: 5

‘ما رح أتعهد بشي، لأنكم عملتوا هيك تعهدات من قبل وكسروها قبل ما يمرق شهر.’
نفد صبر المختار وعلا صوته بغضب. ‘شو أنا وكل الجماعة اللي قاعدين هون ما إلنا وزن عندك؟!’
‘إنتوا على راسي...’ تراجع يوسف على مضض، حين لحظ الصمت المطبق، فجأة، وفطن إلى أنه يواجه المعركة منفرداً. فليفعلوا ما شاؤوا، وليذهبوا إلى الجحيم. لن يدافع عن أحد في المرة القادمة!
تناول المختار ورقة كتب عليها، بعد التداول مع الجالسين، التعهد بين القريتين، ووقعه هو وكبار الوفد من القرية الأخرى ومنهم من بصم. نهض يوسف ليغادر المجلس، حيث سئمه وأيقن أنه بلا فائدة، كجميع الاتفاقات التي نُصّت من قبله. لكن المختار استوقفه، موجهاً الحديث إلى الحاضرين من أهل قريته، بعد أن كتب ورقة أخرى: ‘بدنا نوقّع كلنا كمان على تعهد جماعي نكفل فيه يوسف.’
ما هذا؟! بدا وكأن المختار يريد أن يمعن في إذلاله. ضاقت عينا يوسف، وتمالك نفسه بجهد كي لا يصيح به وينصرف. في البداية، اعتقد أن الأمر لا يتعدى القليل من الاسترضاء والتملق لأهل القرية الأخرى، لكن الموضوع خرج عن ذاك الحد، وأصبح متهماً إلى درجة أن المختار طلب من جميع أهل القرية ضمان سلوكه!
نظر إلى المختار بتحدٍ، ثم إلى الآخرين وهو واثق من مساندتهم له، وبأنهم لن يتنكروا لفضله عليهم.
لكن أحدهم تنحنح: ‘متأسف يا مختار، بس أنا عن حالي، باقدرش أكفله... لأني ما باضمن أفعاله.’
اتسّعت عينا يوسف. ما الذي قاله هذا الأحمق؟!
ما لبث آخر أن أردف: ‘وأنا كمان، يا مختار. أعذرني.’
رويداً رويداً، انسحب الجميع، ممن كان يعتقد أنهم أصدقاؤه وحتى من أقاربه، والذين طالما انبرى لخدمتهم ومساعدتهم. كاد يوسف ألا يصدق ما تسمعه أذناه، وعقدت المفاجأة لسانه.
قال المختار وفي صوته نبرة شماتة: ‘طيب، مثل ما بدكم. إن شاء الله يتحسن سلوكه وما نضطر لمثل هالموقف مرة ثانية... يوسف، انت مضطر تكفل حالك. خوذ وقّع لو سمحت.’
نظر الجميع إليه، وقد قطّب غاضباً واحتقنت الدماء في وجهه. وما أن أعطاه المختار الورقة، حتى هب واقفاً ومزقها، مزمجراً: ‘ما أسوأ من الورق، إلا الحبر اللي عليه!’
وخرج صافقاً الباب بعنف، تاركاً البلبلة تتصاعد وراءه.
ساد توتر شديد في القرية بعد تلك الواقعة، وعرف العديد من أقارب وأصدقاء يوسف، الذين لم يُدعوا إلى الاجتماع، بما حدث، فأتى بعضهم مستنكراً ومؤازراً له. لكنه بات لا يصدق أحداً.
‘شو بيعرّفني يا أفاضل؟ لو كنتم محلهم، يمكن عملتوا نفس الشي! لما تقع البقرة، بيكثروا سكاكينها! بس أنا ما رح أقع. رح أفرجي هالبلد مين هو يوسف!’
بعد أسبوعين، كان يرعى مواشيه، وحيداً، ويغني لنفسه مطبطباً على كلبه الأمين الذي يرافقه في تجواله. وبينما هو سارح في الحرش الكبير، سمع صراخاً واستغاثة. ركز سمعه ليعرف مصدر الصوت، وهرول باتجاهه والكلب ينبح من ورائه.
إنه أمين، جاره، يتعرض لاعتداء على يد مجموعة من الغرباء، لم يستطع يوسف التعرف عليهم. لا بد أنهم أتوا من مكان بعيد.
انحنى سريعاً ليلتقط حجراً. لكنه فطن، فجأة، فجفل واقفاً.
لقد كان أمين بين الجالسين في الاجتماع الفائت، الذين تنكروا له ولم يكفلوه.
ماذا يفعل الآن؟
‘إتركه وخلّيه يتربّى!’ قال صوته الداخلي.
لكن تردده لم يستمر لأكثر من ثوان، فقد كانت المجموعة كبيرة، يحمل أفرادها عصياً وأحجاراً، وأطبقوا على أمين بينما بدأ عدد منهم بسحب مواشيه بعيداً لسلبها.
‘وقّف عندك!’ صرخ يوسف بأعلى صوته. ثم تحرك بسرعة مذهلة، قاذفاً إياهم بالحجارة وموقعاً اثنين منهم على الفور، واشتبك في عراك مع اثنين آخرين فأوقعهم أرضاً. إزاء ذلك، خاف الباقون فلاذوا بالفرار، بينما بقي الأربعة الذين وقعوا يئنون ألماً على الأرض. التقط يوسف أنفاسه، وساعد أمين في جمع أغنامه والعودة بها إلى القرية قبل حلول الظلام.
لم يستطع أمين أن ينظر في عينيه. وقال يوسف، وظل ابتسامة خفيفة يلوح على شفتيه: ‘آه... نفسي أغمّض عيوني، وأشوف شو رح يصير فيكم...’

الصفحات