أنت هنا

قراءة كتاب كل شيء ساكن

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
كل شيء ساكن

كل شيء ساكن

كتاب "كل شيء ساكن" لمؤلفته الكاتبة ميّ بنات؛ هو عبارة عن مجموعة قصصية متنوعة تأخذنا من خلالها الكاتبة إلى عوالم يبدو فيها كل شيء ساكن، لكن في حيثياتها تشدك إلى ما أعمق من السكون، وكأن رحلة البحث قد بدأت من جديد.

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5
أخذت نفسًا من جوفها، وتمتمت : لا إله إلا الله..تأمّل يوسف : قال لنا الأستاذ إنّ صلاح الدّين فتح بيت المقدس ليرفع راية لا إله إلا الله ..ما زال كلّ شيءٍ ساكنٌ ..حُزمت الأمتعة، وأزِف الرحيل ..حمل يوسف شطائر الزّعتر . أُسرت الأدمع خلف قضبان القوّة..
 
- أمّي إلى أين نذهب؟؟
 
- سنرحل..
 
- إلى أين؟؟
 
- لا أعلم إلا أنّنا سنرحل !
 
- أمّي أريد العصافير.
 
- لن نذهب إلى البيت من أجل عصافيرك..حاول نسيانها..وإلا أخذوك !
 
- لا..لا أستطيع إنّها عصافيري، أريدها !
 
- إيّاك أن تذهب، وإلا..
 
- حسنًا، لن أذهب سأنتظركم في الخارج.
 
تصارعت الرّغبات في نفس يوسف : لا أستطيع تركها..من سيطعمها؟ من سيسقيها؟ و أنا أحبّها فهي توقظني كلّ صباحٍ، وتقف على يديّ حين ألاعبها ..انسحب مسرعًا يقطع الأزقّة، اشتمّ الكثير من الروائح الكريهة، يتخلّلها شذى الياسمين المتدلي على الأسوار ..كأنّه سمع بعض الأصوات ؛ لكنّ تغريد طيوره أقوى في مسمعه ..تعثر أمام الباب بشيءٍ ما ..تجاهل ذلك كلّه، ودفع الباب المثقّب بيديه الصّغيرتين ..ساحة المنزل ملطّخةٌ ببعض الألوان ..صعد إلى قفصه محاولًا خنق كلّ ما يؤرّقه، منتشلاً شجاعته من كلّ ما يخيفه ..بحث، حاول ثانيةً، لم يجد سوى حطام القفص .. وعصافير مجفّفةٍ كالدّمى الخشبيّة ..تمنّى أن يصرخ، أن يفجّر الصّمت المتجبّر .. ولكنّ الأصوات تقترب، لملم عصافيره، وضمّها إليه : آه يا عصافيري الحبيبة، أردت أخذكم معي .رطبت دموعه ريشات العصافير الجافّة تأمّل ما حوله ..الرّيش المتناثر، الأرجوحة المائلة، أسراب نملٍ تحمل الكسر وتتوارى في الثقوب .. بقيت برتقالةٌ واحدةٌ مختبئةٌ أعلى الشجرة، ربما استطعتُ حمايتها .استجمع كلّ عبارات الحماسة، وربط الكيس بحزامه، وتسلّق الشجرة، اقترب منها أخيرًا، حاول التقاطها، فإذا بها تنفجر في وجهه، قبل أن يصل إليها، تبعتها رصاصة أخرى فتّتت كيس الزّعتر، تمسّك بالغصن بما تبقّى من قواه، اعترته رجفةٌ قويّةٌ ..أنا رجلٌ لن أهزم ..انطلقت رصاصةٌ جديدةٌ عرّت رأس الشجرة من الأوراق ..عنيدٌ كأبيه ..اندفعت بوحشيّةٍ، واخترقت جسده هذه المرّة..تمايل كطائرةٍ ورقيّةٍ، دحرج رأسه : أنا صغير لِم يـ قـ تـ لـ و نـ نـي؟؟!! هوى جسده كفراشةٍ بيضاء ..ورفرفت روحه لتلحق بعصافيره .. وأمطرت السّماء دماءً، و ريشًا، وحبّات زعتر ..الأزقّة مقفرة ..الجدران شاحبة، الأرض رطبةٌ بخليطٍ من البرتقال، والدّماء، والدّمع ..تقهقرت خطوط الشّمس قليلاً، خريطة فلسطين شامخةً على الأسوار .كُتب على الجدران :
 
( بالرّوح بالدّم نفديك يا فلسطين ) ..الوطن ينتظر ..وكلّ شيءٍ ساكن! 

الصفحات