أنت هنا

قراءة كتاب جنة الفدائيين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جنة الفدائيين

جنة الفدائيين

"جنة الفدائيين"، للكاتب السعودي محمد الراشد؛"جنة الفدائيين" هي أول عمل روائي له. أرمان...

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

عاد الرجل يتفحصه مرة أخرى وهو يهز رأسه مما أثار ريبة أرمان وانتابته شكوك في هذا الشخص، وبعد لحظات قاطعه بنبرة حازمة:
«هل ستبتاع السمك يا سيد؟».
وعوضاً عن إجابته سأله: «ما اسمك؟».
أجابه باستغراب: «اسمي؟ ... أرمان».
وبفضول أكبر قال: «أرمان ابن... من؟».
«أرمان بن محمد دارا».
ثم ابتسم ابتسامةً عريضةً مثبتاً عينيه اللتين أحمرتا فجأة دونما سبب واضح على عينيه ووجهه.
«كأنك تعرفني يا سيد؟».
أجفل ثم ابتسم وقال: «لا... لا، أبداً، إنما أنا فضولي، أحب التعرف إلى الناس فحسب». ثم أخرج من جيبه كيساً وألقاه إليه: «ها قد اشتريتها منك بأكثر من أربعة قروش، وفقك الله».
عندما نظر إلى الكيس الثقيل الذي بيده فرح فرحاً شديداً وقال للغريب بامتنان: «شكر الله لك كرمك يا سيدي». وعندما شرع في ترتيب السمك له، بادره وانتزع السمكة التي كانت بيده وكومها فوق البقية ولفها في القش الذي كان السمك موضوعاً عليه بعشوائية، ورحل به متأبطأ إياه وحاثاً خطاه دون أن يلتفت يمنة أو يسرة وكأنه يهرب من شيء ما أو أحد ما، وظل أرمان يراقبه حتى اختفى بين الجموع الغفيرة.
تساءل وهو ينظر إلى الكيس المنتفخ: «كم يحتوي من النقود يا ترى... عشرون قرشاً»؟ نظر ثانيةً إلى الجهة التي ذهب منها الرجل ثم هز كتفيه وتظاهر بعدم المبالاة.
نهض وطوى الحصير ثم وضع فوقه صخوراً لتثبيته، ولم يكن يخشى عليه من السرقة، حتى أطمع اللصوص لن يكلف نفسه عناء حمله.
عليه الآن الذهاب لشراء بعض الحاجات التي طلبتها منه والدته قبيل خروجه من البيت فجراً، فمشى وسط الزحام مطرقاً برأسه إلى الأرض وكل تفكيره كان منصباً على ذلك الزبون وأسئلته وتصرفاته الغريبة بالرغم من محاولاته نسيان الموضوع وطرحه جانباً.
لماذا يا ترى يسأل بائعاً فقيراً عن اسمه؟ ويحدق إليه بنظرات مريبة وكأنه يعرفه أو سبق له أن رآه من قبل؟ ثم بعد ذلك يشتري منه السمك بهذا المبلغ الكبير من المال؟ . «هل كان يتصدق علي»؟ تساءل بمرارة وخجل.
وبينما هو يمشي توقف عند أحد دكاكين الطباخين، حيث لفحته رائحة شواء مغرية أثناء مروره من أمام بابه المفتوح على مصراعيه. نظر خلال العتمة إلى الداخل فرأى الناس الجالسين فوق المصطبات المفروشة، يتحدثون بعضهم مع بعض بأصوات مرتفعة ويلتهمون ما لذ وطاب من أصناف الأطعمة.
أخرج كيس النقود وهزه قليلاً ثم طرأت عليه فكرة خطيرة، هل يدخل ويأكل من شهي الطعام، مادام يملك الكثير من الوقت والمال؟. نظر إلى الكيس ثانيةً ثم غمغم: «ربما لن يضر لو خصصت شيئاً من هذه النقود لأحظى بغداء دسم وأحس بالشبع والتخمة ولو لمرة واحدة في الشهر... أو عوضاً عن ذلك يمكنني الذهاب إلى البيت حيث الثريد المخلوط باللبن المتحمض؟».
أخيراً اتخذ قراره ودخل الدكان حتى توقف في منتصفه حيث بدأ الناس يرمقونه بالنظرات المتوجسة، ربما لأنهم ظنوه أحد أولئك الشحاذين المزعجين قد توقف لزيارتهم في وقت غير مناسب.
كانت رائحة الطبيخ نفاذة وأصوات الزبائن والطباخين تلجلج في المكان تساندها قرقعة القدور والصحون.
اعتلى إحدى المصطبات وجلس على سجادة خشنة تنتشر بها البقع، وإلى جانبه رجل ذو شارب كثيف معقوف الطرفين.
استرق أرمان نظرات إليه بطرف بصره فوجده ممسكاً بدجاجة كاملة يقلبها بين يديه ويأكل منها بنهم... بل كان يستطيع رؤية بقايا قطع الدجاج عالقة بمقدم شاربه.
أربكه صوت فظ جهوري:
«هيه... يا فتى»، ونظر أمامه وإذا هو رئيس الطباخين وكان هو الذي يشرف على بقية الطباخين والعاملين في الدكان، وهو الذي يعد الطلبات، كما أن عليه الدور الأهم وهو قبض الحساب من الزبائن، وكان عابس الوجه دوماً، قصيراً، سميناً، أمرد، مقطب الجبهة وأفطس الأنف.
رد عليه أرمان بأدب: «نعم، أريد طعاماً لو سمحت».
«حقاً! ... حسناً، ظننتك تريد شيئاً آخر» قال له بسخرية، فانفلتت من ذي الشوارب ضحكة عفوية.

الصفحات