أنت هنا

قراءة كتاب جنة الفدائيين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جنة الفدائيين

جنة الفدائيين

"جنة الفدائيين"، للكاتب السعودي محمد الراشد؛"جنة الفدائيين" هي أول عمل روائي له. أرمان...

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

«ماذا تريد»؟ سأله.
أول ما طرأ على باله من الطعام كان السمك، ربما لأنه كان يأكل منه كل أسبوع أو أسبوعين مرة، عندما يتبقى من بضاعته شيء من السميكات الصغيرة، وخشي عليها من التلف والضياع.
«ولكنني أريد شيئاً مختلفاً هذه المرة» قال في نفسه. وبعد برهة توصل إلى قرار مثير: «أريد دجاجاً مشوياً وخبزاً، وما يتوافر من الشراب».
رد عليه على الفور: «ليس لدينا شراب هنا غير الماء».
«فليكن».
حدق إليه الرئيس بتوجس وهو يمسح قطرات العرق التي تكونت على جبينه بخرقة متسخة ثم تنهد وقال: «حسناً... ألديك نقود أم لا؟».
رد عليه أرمان بانفعال للمرة الأولى: «بالطبع لدي نقود، فلست أتوقع أن آكل طعاماً دون مقابل فمن الواضح أنني لست ضيفاً عندكم» ثم أخرج الكيس وهزه أمامه.
غادر الرئيس بعد أن أطمأنت نفسه وزالت شكوكه، ليعد له مطلبه وأعاد أرمان الكيس إلى جيبه دون أن يفتحه.
اتكأ بظهره على الجدار من خلفه وتنهد بصوت مكتوم، وظل يحدق إلى الناس من حوله، التفت إلى الرجل ذي الشوارب فوجده يحدق إليه مبتسماً وأطراف شاربه من الجهة الأمامية تتلامع تحت أنفه.
«أطالب علم يا فتى»؟ سأله.
«بل عامل».
أشاح بنظره عنه ثم غمغم بكلمات لم يفهمها ولكنها أزعجت أرمان لأن تعابيره أظهرت له أن نيته لم تكن طيبة تجاهه فقال له بحدة: «عفواً؟».
فحول نظره إليه وقال له بلهجة الناصح: «عليك أن تحترس من النشالين واللصوص يا فتى، فقد كثروا هذه الأيام» ثم عاد يفترس ما تبقى من دجاجته دون أن يزيد على ما قال ودون أن يرد عليه أرمان بشيء.
جاء الرئيس ووضع الطبق أمامه، دجاجة كاملة مشوية ورغيف ساخن من تحتها، وكوز فخاري مليء بالماء البارد الزلال ثم قال له: «الدفع سيكون بعدما تفرغ» مشيراً إليه بسبابته الثخينة.
«يا لأخلاقك الرديئة!» غمغم أرمان عندما تولى عنه الرئيس. اعتدل في جلسته ورأى الطعام الذي تشتهيه نفسه، دجاجة كاملة يتقاطر زيتها على رغيف طري الوسط مقرمش الأطراف، وفوق ذلك، لن يضطر أن يتشارك مع أحد، هذا ما قد يفعله المال بالإنسان، يجعله بطيناً وسعيداً.
أمسك بفخذ الدجاجة وانتزعه بلا هوادة ثم قضم منه لقمة كبيرة وهي لاتزال ساخنة فأحرقته ولم يبالِ، وأخذ قطعة من الرغيف المبلول وحشرها في فمه مع الدجاج.
أكل حتى اكتفى وأحس بالرضى، ولم يتبق من الطعام إلا البقايا، ثم أخرج كيس النقود بعد مدة من الاسترخاء الذي يلي عادة الوجبة الدسمة، ليعطي صاحب المحل حقه ويغادر. وعندما فك رباطه وفتحه للمرة الأولى، كانت المفاجأة التي صدمته وكاد في إثرها يخرج ما أدخله تواً في جوفه.
«يا إلهي... ما هذا!».
لحظ الرئيس الذي كان بالقرب منه التغير الطارئ على تعابير وجهه فجاءه يمشي بريبة وسأله:
«أفرغت يا صبي؟». فلم يرد أرمان عليه بل لم ينتبه لوجوده.
«يا فتى، أتسمعني؟». انتبه له هذه المرة فرد عليه بصوت متهدج:
«هاه، أجل أسمعك».
«أفرغت من طعامك؟».
رد عليه وهو لا يزال يحدق إلى داخل الكيس: «أجل، الحمد لله، كم حسابك؟».
فحك الرئيس ذقنه الأمرد بأطراف أصابعه: «سيكون الحساب»، ثم صمت قليلاً:
«ثلاثة قروش!!».
«ماذا؟ ثلاثة قروش!».

الصفحات