أنت هنا

قراءة كتاب جنة الفدائيين

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
جنة الفدائيين

جنة الفدائيين

"جنة الفدائيين"، للكاتب السعودي محمد الراشد؛"جنة الفدائيين" هي أول عمل روائي له. أرمان...

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 5

مشى بين جموع الناس واضعاً يده على جيبه حذراً من النشالين الذين يسرقون ما في الجيوب بمنتهى البراعة دون إدراك أصحابها، دخل في زقاقٍ خالٍ وضيق، ليجلس هناك قليلاً بمفرده، ويعد النقود بأمان، بعيداً عن المتطفلين.
جلس القرفصاء بجانب الجدار بعد أن أيقن أن لا عيوناً تراقبه، وأخرج الكيس ثم نثره على الأرض فأصدرت النقود بينما كانت تتراقص أمامه بريقاً جذاباً وأصواتاً يطرب لها القلب وبدأ بعدها وإعادتها إلى الكيس.
وجد أن مجموعها أربعة وأربعون ديناراً وتسعة وتسعون درهماً وخمسة وتسعون قرشاً بالتمام والكمال. ثم نهض وألقى نظرة تفقدية حول المكان لئلا يكون قد أهمل شيئاً منها، وعندما اطمأن بأنها موجودة جميعها في جوف الكيس ربط عنق فتحته بخيط متين وبالغ في ذلك.
وعندما أراد إعادته إلى جيبه.... حال دون ذلك حائل.
فنظر إلى راحة يده ولم يعد الكيس موجوداً فيها.
استدار إلى الخلف مذعوراً، فرأى شخصاً ما يجري ناحية السوق، لص متلصص قد قفز عليه من فوق الجدار وانتزع الكيس من يده على حين غفلة منه، فاندفع وراءه تلقائياً بكل ما أوتيت ساقاه ورجلاه من قوة، مخترقاً أمواج الزحام الكثيف.
لم يطرأ على باله بأنه سيخسر ماله بهذه السرعة وبهذه الطريقة المؤسفة، فعقد العزم على أن ينال من السارق اللعين وأن يسترد نقوده منه مهما حاول الهرب ومهما كان بارعاً في ذلك.
صرخ وهو يجري وراءه:
«أوقفوه... أوقفوا اللص لقد سرقني... أوقفوه».
لكن الناس كانوا لاهين عنه ولم يستجب لندائه إلا شيخ مسن حاول أن يفعل خيراً بإيقاف اللص وكاد يوفق في ذلك لولا أنه تلقى دفعة قوية منه أوقعته أرضاً، أما بقية الذين سمعوا نداءه فاكتفوا بالفرجة عليهما.
خرجا من السوق جرياً وقد قطعا مسافة قد ينهك منها من لم يتعود الجري كل هذه المسافة، كل هذا الوقت. دخل اللص إلى زقاق أرضيته مبتلة بالمياه الوسخة التي خلفتها الأمطار، وصار أرمان أقرب إليه مما كان من قبل، واحتمال القبض عليه قد ارتفع.
ضرب اللص بإحدى قدميه بمكر في حفرة ملأى بالمياه العكرة ليرش بها على عيني أرمان ونجح في ذلك إلا أن ذلك لم يثن من عزمه ولو شيئاً بسيطاً. كانت نهاية الزقاق مسدودة حيث يقف جدار طويل على آخره، كما كومت بجانبه صناديق خشبية، وظن أرمان أنه تمكن منه أخيراً.
توقف اللص واستدار مواجهاً له وكان متلثماً ويستطيع رؤية بريق عينيه الحادتين الخبيثتين، كما أنه انتبه للمرة الأولى إلى حقيقة أنه يرتدي لباساً من الصوف الخشن ذا قلنسوة يغطي بها رأسه، وعرف مباشرة أن هذا هو زي رجال دين (الصوفية) والمعروفين بنزاهتهم وتقواهم وبعدهم عن ملذات الدنيا وزخرفها وخصوصاً، المال.
خاطبه وهو يتنفس بصعوبة: «رد إلي ما سرقته قبل أن تندم يا هذا، ألا ترى أن الطريق أمامك مسدودة أين سيمكنك الفرار؟... هيا لا تحاول أن...».
وقبل أن يتم جملته الأخيرة قفز اللص الصوفي فوق الصناديق برشاقة ثم تشبث بيديه وأطراف قدميه بفتحات الجدار الضيقة وتمكن من أن يتسلق الحائط ويعتلي حافته بسرعة نادرة ثم مشى فوقه بتوازن كامل حتى قفز فوق السطح الملتصق به.
«هاااا أتظن أنني لن أتمكن من اللحاق بك، والله لأصلن إليك ولو كنت فوق أعلى مئذنة في هذه المدينة».
ونجح فعلاً في القفز فوق الصناديق ثم التشبث بفتحات الجدار كما فعل الصوفي تماماً إلا أنه تطلب منه بعض الجهد والوقت، وبمجرد أن استوى واقفاً على رجليه على حافة الجدار، طفق الآخر يمطره بوابل من الحصى بقصد إسقاطه.
جاءته الحصاة الأولى مفاجئة، فأصابت قدمه اليسرى، وكادت ترديه فعلاً لولا أنه لحسن الحظ استطاع أن يستعيد توازنه وحاول أن يمشي بخطوات سريعة فنجح، ووجد بدوره صخرة كبيرة على أرضية السطح فأخذها ورماها من شدة غيظه على اللص الذي أخطأته وأكمل هربه حتى وصلا إلى نهاية السطح.
قفز اللص إلى سطحٍ ثانٍ قريب الحافة فثالث فرابع وأرمان لا يزال وراءه بالمرصاد.
عندما وصلا إلى حافة السطح الرابع، توقف اللص أمام الجدار وأخذ خشبة سميكة كانت مسندة إليه.
«انتهى أمرك الآن أيها الجبان، هيا أعد إلي نقودي ولن أمسك بمكروه.... هذا وعد مني».
فتكلم اللص للمرة الأولى: «وما يدريك أني لن أؤذيك... ألا ترى أنك أعزل الآن».
نظر أرمان إلى قطعة الخشب التي بيده وهو يلهث وقال محذراً إياه:
«حاول أن تقترف هذا الخطأ، فتندم أشد الندم، سأنتزع منك هذه العصا التي بين يديك وأحطمها فوق رأسك، وإن كنت ذكياً فخذ من النقود درهماً أو درهمين واذهب حفظك الله ودع لي الباقي».

الصفحات