كتاب "الربانية أبرز خصائص التربية الإسلامية"، يقول الإمام يوسف القرضاوي في مقدمته:
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، وبرحمته تتنزل الخيرات والبركات ، وبتوفيقه تتحقق المقاصد والغايات ، الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله .
أنت هنا
قراءة كتاب الربانية أبرز خصائص التربية الإسلامية
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الربانية أبرز خصائص التربية الإسلامية
الفرق بين التربية التعليم
واليوم أحدثكم عن التربية الإسلامية وخصائص هذه التربية ، وذلك لأننا أحوجُ ما نكون إلى التربية ، لا يكفينا مجرد التعليم ، فالتعليم يتعلق أكثر ما يتعلق بالرؤوس ، والتربـيـة تتعـلـق أكثـر ما تتعلق بالنفوس ، ولا يكفي أن تحشو رأسك بالمعارف والمعلومات ، إذا لم يكن وراء هذه الرأس نفس ، زكيَّة .
صلاح الأفراد والمجتمعات بتغيير النفس
الأمم إنما تتغيَّر بتغيَّر أنفسها ، فصلاح المجتمعات بصلاح أفرادها ، وصلاح الأفراد بصلاح أنفسها ، الماركسيون أو الشيوعيون عندهم قاعدة تقول : (غيِّر الاقتصاد ، أو غيِّر علاقات الإنتاج يتغيَّر التاريخ) ، ونحن المسلمين عندنا قاعدة أخرى تقول : (غيِّر نفسك يتغيَّر التاريخ) ، أو بالتعبير القرآني غيِّر ما بنفسك يتغيَّر التاريخ ، وذلك أنَّ الله تعالى قرر هذه القاعدة النفسية الاجتماعية الأساسية ، حينما قال عز وجل :(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ)(الرعد:11) ، لهذا كان تغـيـيـر النـفـس ـ أو ما بالنفس ـ أمرا أساسيا ، لا يكفي أن تحشو رأسك بالمعلومات إذا لم تُزكِّ نفسك ، فلاحك في الدنيا والآخرة مرهون بتزكية النفس ، والقرآن الكريم يقول : (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا,فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ,قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا,وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا )(الشمس:7-10).
التعليم والتزكية من مهمة النبي *
كان من شُعب رسالة النبي * ، التعليم والتزكية ، كما جاء ذلك في أربع آيات من كتاب الله ، في سورة البقرة وآل عمران والجمعة ، في سورة البقرة يدعو سيدنا إبراهيم ربه فيقول : (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )(البقرة:129) ، وفيها : (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ)(البقرة:151)، وفي سـورة آل عمـران يـقـول الله تـبـارك وتعالى : (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)(آل عمران:164)، وفي سورة الجمعة يقول الله تبارك وتعالى : (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)(الجمعة:2)، يزكِّيهم ويعلِّمهم .
التزكية فـي اللغة العربية
والتزكية أمر أخص من التعليم ، وأعمق من التعليم ، فالتزكية في اللغة العربية ، مأخوذة من زكا ، ومعنى زكا : أي طهُر ونما ، و(الفقهاء) حينما يُعرِّفون الزكاة يقولون : الزكاة في اللغة : الطهارة والنماء ، فمعنى : يطهرهم وينمِّيهم ، يطهرهم من الشرك ، وينمِّيهم بالتوحيد ، يطهِّرهم من النفاق ، وينمِّيهم بخصال الإيمان ، فهي تطهير وتنمية ، كما قال (الصوفية): تخلية وتحلية ، تخلية من الرذائل ، وتحلية بالفضائل ، فهو * مزكٍ ومعلم .
في البلاد العربية كانت الوزارات التي تقوم على التعليم تسمَّى قديما : (وزارات المعارف) ، ثم وجدوا أنَّ المعرفة وحدها ليست كافية ، وأنَّ مهمتها يجب أن تكون أشمل وأعمق من هذا ، فغيَّروها إلى (وزارات التربية) ، فالمهم أن تربي الإنسان لا أن تملأ رأسه وذهنه بالمعلومات والمعارف فقط . لهذا كنا في حاجة إلى التربية عموما ، والتربية الإسلامية خصوصا ، فنحن لسنا في حاجة إلى أي تربية ، بل نحن في حاجة إلى تربية إسلامية ، تربية قائمة على أساس الإسلام ، تستمدُّ أصولها من مصادر الإسلام ، من القرآن والسنة أساسا ، ومن شروح القرآن والسنة ، من أئمة الأمة الثقات ، وعلمائها الربَّانيِّين الراسخين في العلم .