أنت هنا

قراءة كتاب اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

كتاب " اكتشاف جزيرة العرب خمسة قُرون من المغامرة والعِلم " ، تأليف حمد الجاسر ترجمه إلى العربية  قدري قلعجي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2006 ، ومما

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 3

الجزء الأول

رفـع السـتار

شبه الجزيرة العربية القارة المفقودة

إذا ما اتخذنا وجهة النظر الأوروبية ، وهذا ما سنفعله هنا ، أمكننا القول إنه اعتبارًا من القرن الخامس للميلاد ، وحتى يقظة الرغبة الكبرى فى المعرفة خلال عصر النهضة ، لم تكن لأوروبا أية فكرة عن شبه الجزيرة العربية .

كانت قارتنا الأوروبية قد سادها جهل يكاد يكون مطبقًا ، بعد أن طغت على الحضارة الرومانية التى عرفتها ، موجات الغزو البربرية فى القرنين الرابع والخامس . وقد احتفظت الأديرة بشىء من المعرفة القديمة فى المخطوطات التى كانت تنسخ فيها بكثير من الصبر . كانت أوروبا تتقدم متخذةً مركز ثقل قارى لها فى إكس – لاه شابيل أو فى رافس ، أما العالم الإغريقى – اللاتينى ، فقد كان البحر الأبيض المتوسط قلبه النابض .

كانت التجارة ، والحروب ، فيما سلف ، ما بين سواحل هذا البحر الذى نشأت حوله أولى حضارات العالم . وكان أغنياء الإغريق والرومان يستهلكون يوميًا أفاويه الهند ، والكهنة يحرقون أمام آلهتهم بخور بلاد العرب ، والجيوش تحارب الفرس أو هنيبعل ، ولكن بالنسبة إلى أوروبا البرابرة ، لم يكن البحر سوى حدٍّ وسور لا يمكن تجاوزهما .

إن هذا الفاصل ما بين أوروبا من جهة ، والشرق من جهة أخرى ، قد ازداد عمقًا منذ أن ظهر الإسلام . فمنذ أن جهر محمد بالنبوة سنة 622 ، أُعلن الجهاد المقدس فى الشرق . وقد أوقف ذلك ، بادئ ذى بدء ، نشاط التجار الذين تهيبوا السفر إلى بلاد تسودها الحروب ، وسرعان ما أصبح على جانبى البحر الأبيض المتوسط لا حضارتان متباعدتان فحسب ، بل عالمان متعاديان .

ثم اجتاحت الجيوش الإسلامية فى اندفاعها الجبار الذى لا يقاوم سوريا (633) ، وفلسطين (638) ، وبلاد ما بين النهرين (640) وأرمينيا وجورجيا وقوقازيا (642) ، ثم بلاد الفرس ، وكردستان ، وآذربيجان ، وعيلام ( سوزيان ) وفارسيستان ، حتى بلاد آمود أريا ( الأوكسوس) حيث أوقفت تقدمهم مقاومة الأتراك .

ولم تقف الجيوش العربية عند سواحل البحر الأبيض المتوسط ، وإنما اجتازت هذا البحر واحتلت الجزر الواقعة فى القسم الشرقى منه ، كما أنها غزت ، فى الوقت ذاته ، جميع البلدان الساحلية : مصر (642) ، وليبيا ، وطرابلس الغرب ، والمغرب ، ولم تتوقف إلا عند شاطئ المحيط الأطلسى .

وبعد فترة من الهدوء المؤقت دامت ثلاثين سنة ، بسبب النزاع على الخلافة ، بلغت الجيوش العربية فى حربها مع الأتراك واحات أفغانستان ، وأبواب الصين ، ومقاطعة السند كلها فى بلاد الهند (707) ، أما فى غربى البحر الأبيض المتوسط الذى احتلت جميع جزره ، فقد أخضعت قرطاجة العاصية ، وسحقت البرابرة ، واتجهت من هناك شطر أسبانيا فاحتلتها بكاملها (710) ، ثم تدفقت موجة الفتح العربى منها إلى ناربون (719) ، وقرقاصون ، ونيم ، وبروفانسية ، وصعدت نهرى الرون والصون حتى بورغونية ، وأخيرًا حتى اللوار . وهناك تمكن شارل مارتل من إيقاف زحف الجيوش الإسلامية فى بواتيه (732) ، واضطرها إلى التراجع حتى ناربون . وأوقف الزحف العـــربى فى الوقت ذاته أمام بيزنطة ســـنة (743) ، فكانت تلك هى الحدود التى قُدّر له ألا يتخطاها أبدًا .

لقد وضعت موجة الفتح المتدفقة فاصلاً ماديًا ما بين أوروبا وبلاد العرب . وقد أنشأ العرب خلال القرون التى أعقبت الفتوحات فى إمبراطوريتهم التى كانت تضم أسبانيا ، حضارة باهرة ، فاتنة ليس بأبهتها فحسب ، بل بازدهار العلم والفكر أيضًا . ويخيل إلينا أن الغرب أخذ آنئذ يتعرف إلى بلاد العرب ، مهد الإسلام الذى كان الغربيون يرتادون جامعاته .

على أن هذا التعرف لم يكن كافيًا ، لأن العرب المنتصرين ، الخارجين من الصحراء العربية ، كانت انتصاراتهم قد تغلبت عليهم ؛ فقد جعلت منهم الإسكندرية ومكتبتها الشهيرة قومًا متعلمين ، وهؤلاء العرب الذين فتنتهم المعرفة ، والجمال ، والترف ، والذين كانت عواصمهم قد غدت بغداد ، والقاهرة ، وطليطلة ، لا مكة والمدينة ، أخذوا يحتقرون الأرض الجحود اللاهبة ، التى خرج منها أجدادهم لغزو العالم .

لقد أصبحت الجزيرة العربية مهملة من جديد ، ولم يعد يهتم بالتعرف إليها أبناؤها الذين استوطنوا - خارج حدودها - بلدانًا نشأت فيها أقدم حضارات العالم .

ولكن بعض الرواد المسلمين ، حاولوا بعد انقضاء عدة قرون على ذلك ، التعرف إليها من جديد . فزار ابن بطوطة فى سنة 1328 مكة ، واليمن ، وظفار ، وعمان ، ولذا أمكننا اعتباره أول رائد عصرى لشبه الجزيرة العربية . بيد أن هذا الاستكشاف الكثير النواقص لم تفد منه أوروبا التى لم تستطع قراءة ما كتبه ابن بطوطة وغيره من أغلب المؤلفين المسلمين ، إلا خلال القرن التاسع عشر حين كانت معرفتها ببلاد العرب قد تجاوزت ما كتبه المؤلف القديم .

بلغت الحضارة الإسلامية أوجها ما بين القرن الثامن والقرن الحادى عشر ، وكانت هذه الفترة فترة استراحة فاصلة بين تدفق الموجتين المتعاكستين : الموجة الدافعة بالإسلام إلى غزو الغرب ، والموجة المهيبة بالغرب إلى مهاجمة العالم الإسلامى ، لاستعادة قبر المسيح والأماكن المقدسة .

الصفحات