أنت هنا

قراءة كتاب اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

كتاب " اكتشاف جزيرة العرب خمسة قُرون من المغامرة والعِلم " ، تأليف حمد الجاسر ترجمه إلى العربية  قدري قلعجي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2006 ، ومما

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 5

من خـلال كتـب القـدماء

اضطرمت نار حب الاطلاع ، والمعرفة ، والاكتشاف فى أواخر القرن الخامس عشر . فأعار ملوك البرتغال القباطنة المعروفين بالجرأة والإقدام ، مراكب سيروها على طول ساحل إفريقيا الغربى لاكتشاف بلدان جديدة . وبينا كان هؤلاء يمخرون عباب البحار عكف آخرون على مطالعة ما اكتشفوا من كتب الأقدمين ، وعثروا فى خلالها على التاريخ القديم ، والمعارف التى اكتسبها البشر قديمًا .

وأيقظت هذه الاكتشافات العقول ، فأخذت تتساءل عن كل شىء : عن النجوم ، وشكل الأرض ، والشعوب ، والعادات ، والقارات المجهولة ، والقارات التى كانت معروفة فيما مضى .

وطفق الناس يقرأون التوراة بأعينٍ جديدة ، فأدركوا أنها تضم بين دفتيها تاريخًا إلى جانب الحكمة والدين .

عندئذ سقط الحجاب عن وجهٍ من وجوه شبه الجزيرة العربية ، كان قد أهمل فى عالم النسيان منذ ما يقارب العشرة قرون ، وأخذ ينبعث من خلال الرقوق المصفرَّة .

قرأ الناس فى التوراة ، فى سفر الملوك ، أن سليمان - وقد أدرك أن فى الإمكان الإبحار إلى بلاد أوفير نزولاً بالبحر الأحمر للبحث عن الثروات المدهشة - بنى أسطولاً فى ميناء أيزيون جابر، وأن مراكبه عادت من بلاد أوفير حاملة أربعمائة مَنٍّ ذهبًا ( سفر الملوك – الإصحاح 11 الرقم 28 ) . فأين يقع ميناء سليمان هذا ؟ وأين تقع بلاد أوفير هذه بنوع خاص ؟

ولكن الأمر الذى يغرى المخيلة ، زيارة ملكة سبأ التى اجتذبتها شهرة سليمان الحكيم ، فأقبلت تزوره ، تصحبها حاشية غنية التجهيز ، وجمال تحمل الطيوب ، وكميات كبيرة من الذهب والحجارة الكريمة قدمتها إلى سليمان ( ملوك ص10 آية 2 و10 ) . فما هى مملكة سبأ هذه التى كانت على هذا الثراء الأسطورى ؟

لا شك فى أن الناس كانوا يعرفون الرواية الحبشية التى تذكر أن ملكة سبأ كانت إحدى ملكات بلادهم ، وأنهم يتحدرون بوساطتها من سليمان الذى لا يمكن أن يكون قد رفض القيام نحو الملكة الضيفة بواجب اللياقة الأول الذى كان فى وسعه أن يقوم به .

وقد ورد فى التوراة اسم مملكة أخرى باسم سبأ ربما كانت واقعة فى بلاد الحبشة .

ولكن الناس كانوا قد أخذوا يقرأون من جديد كتب الإغريق التى كانوا يجدون نسخًا منها فى بطون مكاتب الأديرة حيث كانت قد اجتازت القرون الوسطى .

ثم إن الكثيرين من كتّاب الإغريق كانوا قد كتبوا عن شبه جزيرة العرب . فقد استقى هيرودوس مؤرخ القرن الخامس قبل الميلاد من مصر ، معلومات طريفة عن شبه الجزيرة العربية ، وأغنامها الغريبة ذات الإليات الدهنية الضخمة ، وطيوبها الشهيرة : كالبخور ، والصبر ، وخيار شنبر ، والقرفة ، والكافور ، واللادن ، وسمع من المصريين روايات عن الأخطار التى تعترض سبيل من يقومون بجمع نتاج هذه الطيوب . فالأفاعى المجنحة تحمى أشجار البخور ، ويقتضى إبعادها عنها بالدخان ، وعلى من يريد جمع خيار شنبر من إحدى البحيرات ، أن يكسو جسمه كليًا بجلود الثيران اتقاء للسعات الحيوانات المجنحة ، ويجنى الكافور من وكنات الطيور الجارحة بذبح ثور ، ونثر لحمه إربًا فى أسفل الصخور العالية ، فتحمل الطيور حملاً ثقيلاً من اللحم ، إلى وكناتها فتهوى لثقل الحمل ، جاعلة العطر الثمين فى متناول طالبيه . أما اللادن فيعلق بلحى الماعز فيما هى ترعى الشجيرات التى تحمله .

ولكن من الواضح أن هذه الروايات كانت تحتوى على شىء من الخرافة .

وبعد انقضاء عصر على ذلك ، بحث ثيوفراست تلميذ أرسطو - وقد اعتاد أن يضمّن الفلسفة ملاحظات علمية عن كل شىء - فى كتابه الذى أسماه « تاريخ النبات » عن طيوب بلاد العرب الشهيرة . فلم يكتف بوصف شجيرات الصبر والبخور ، بل أورد معلومات مفصلة عن زراعتها والمتاجرة بها فقال : « تحدث شقوق فى الشجيرات يقطر منها سائل صمغى بقطرات شبيهة باللؤلؤ . ويكوّم كل واحد نصيبه من الصبر والبخور بالطريقة ذاتها ، ويتركها فى عهدة رجال يقومون بحراستها ، بعد أن يكون قد نصب على كومته لوحة كتب عليها عدد الكيلات فى الكومة، وثمن الكيلة الواحدة . ويقبل التجار ، فإذا رأى أحدهم كومة أعجبته ، كالها ووضع ثمنها مكان البضاعة . ثم يأتى الكاهن فيأخذ ثلث الثمن للإله ، تاركًا ما تبقى ، فى أمان ، لصاحب البضاعة ، حتى لا يأتى فيأخذه » .

وتحدث ثيوفراست عن السبئيين من سكان جنوبى شبه الجزيرة العربية ، واصفًا إياهم كمحاربين ، أو زراع أو تجار ، يسافرون على وجوه البحار على ظهر سفن ، أو على زوارق من جلد. ولكن أكثر نشاطاتهم مكسبًا نقل المقر الذى يستخرج منه أقوى العطور ، إلى البلدان المجاورة .

وفى مستهل القرن الأول للميلاد ، رسم المؤرخ اليونانى ديودور صورة أكثر حياة ، لبلاد العرب ، بلاد الطيوب ، والسكان السبئيين فقال : « تفوح فى طول البلاد وعرضها روائح عطر طبيعى ... وتنمو على طول الساحل أشجار البلسم ، والقرفة وهى نبتة من نوع خاص ، لطيفة المنظر عندما تقطع ، ولكنها سريعة الذبول . وفى داخل البلاد غابات كثيفة تنمو فيها أشجار البخور والصبر الضخمة ، وأشجار النخيل ، والكافور ، وغيرها من الأشجار ذات الروائح العطرية . ومن المستحيل تمييز خواص كل شجرة منها وطبيعتها بسبب وفرة عدد أنواعها ، وضخامة كميات العطور المستخرجة منها . والعطور المستخرجة تبدو كأنها سماوية وغير قابلة التفسير ، وهى تتملك حاسة الشم وغيرها من الحواس لدى كل من يشمّها ، حتى إن المسافرين ، لا يفوتهم التمتع بهذه المتعة ، رغم كونها على مسافة بعيدة من الساحل ، إذ تحمل الريح التى تهب من اليابسة فى الصيف ، روائح الأشجار العطرية فتوصلها إلى الجزء المجاور لها من البحر .. والذين يتمتعون بهذه الروائح العطرية يخيل إليهم وكأنهم تذوقوا طعام الخلود .

الصفحات