أنت هنا

قراءة كتاب اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

اكتشاف جزيرة العرب - خمسة قرون من المغامرة والعلم

كتاب " اكتشاف جزيرة العرب خمسة قُرون من المغامرة والعِلم " ، تأليف حمد الجاسر ترجمه إلى العربية  قدري قلعجي ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2006 ، ومما

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 6

« أما السبئيون فإنهم متفوقون على جميع العرب المجاورين ، وغيرهم من الشعوب ، بثرواتهم وبذخهم بنوع خاص - وهم فى الواقع - يحصلون على أفضل الأسعار فى مقايضات البضائع والصفقات التجارية ، ولهذا السبب ، ولكون بعد بلادهم قد جعلهم فى منأى عن الغزو زمنًا طويلاً، تراكمت لديهم أكوام الذهب والفضة ، ولا سيما فى سبأ حيث يقوم القصر . والأقداح المختلفة التى يستعملونها مزينة بنقوش ذهبية وفضية ، وقد استعملوا الأسرَّة ، والمشاجب والقوائم الفضية ، واتسمت سائر أنواع الأثاث التى استعملوها بفخامة لا يكاد يصدقها العقل ، وانتصبت فى مقدمة منازلهم مجموعة من الأعمدة الطويلة ، بعضها مذهَّب والبعض الآخر مزدان بتيجان تحمل رسومًا فضية » .

من المحتمل أن تكون مملكة السبئيين قد سبقت بعشرة قرون عصر الملكة الخارقة العظمة التى قامت بزيارة الملك سليمان . ولكن السبئيين ليسوا الشعب الوحيد الذى اشتهر فى جنوبى شبه الجزيرة العربية . فقد تحدث الجغرافى اليونانى سترابون « حوالى مستهل القرن الميلادى الأول» عن الشعوب الأربعة المهمة ، ناقلاً معلومات كان قد أوردها إيراتوستين الفلكى الإسكندرى الكبير ، الذى عاش قبل ذلك بثلاثة قرون . وهذه الشعوب الأربعة هى : أولاً المعينيون فى القسم الواقع على ساحل البحر الأحمر ، وأكبر مدينة من مدنهم قرنة أو قرنانة . ويجاورهم السبئيون وعاصمتهم مريابة ، ثم القتبانيون الذين كانوا يقيمون على طول المضيق الذى يستعمل للمرور ، وعاصمة ملكهم مدينة تمنة ، وأخيرًا ، فى أقصى الجهة الشرقية الحضرموتيون ومدينتهم سبتة . وكانت كل مدينة من هذه المدن خاضعة لزعيم واحد ، مزدهرة كل الازدهار ، تزينها المعابد والقصور » .

وكان السبئيون وجيرانهم ينقلون بالقوافل البخور ، والأفاويه المستوردة بالقوارب من بلاد الهند ، ويوصلونها عن طريق « الجرعاء » إلى الخليج العربى ، وعن طريق غربى شبه الجزيرة العربية إلى خليج العقبة ومدينة البتراء .

ويذكر سترابون أن السبئيين قد جمعوا ثروات طائلة من المتاجرة بالطيوب ، فاقتنوا أوانى مطبخ ذهبية وفضية ، ومزهريات ، وشجبًا ، وأكوابًا كبيرة ذات أغطية . وكانت مساكنهم بادية الفخامة والروعة ، كسيت أبوابها وجدرانها وسقوفها بالفسيفساء الذهبية والفضية والعاجية المزدانة بالحجارة الكريمة .

ولا يدهش القارئ إذ يعلم من المؤرخ نفسه أن الإمبراطور الرومانى أوغسطس ، كان قد وطد العزم سنة 24 قبل الميلاد ، على أن يستولى على تجارة القوافل هذه التى تكسب سكان الجزء الجنوبى من شبه الجزيرة العربية تلك الثروات الأسطورية ، وعهد إلى القائد أثيليوس غالوس بقيادة حملة لهذا الغرض . وقد كانت حملة شاقة ، محزنة رغم أنها كانت مظفرة فى بادئ الأمر. وتمكن هذا القائد - على الرغم من الأمراض التى فتكت بجيشه فى ذلك المناخ اللاهب ، الرطب فى المنطقة الساحلية - من احتلال مدينة نجران . واستطاع ورجاله ، بعد ذلك بستة أيام ، قهر العرب غير المسلحين تسليحًا جيدًا ، على مقربة من أحد الأنهر . ثم توجهوا ومعهم دليل من أهالى البلاد نحو مدن العربية السعيدة . وكان السير ، بالنسبة إلى أفراد ذلك الجيش ، مضنيًا عبر ذلك البلد الفقير ، الشديد الحرارة ، المحروم من الماء ، تكتنفهم الصحراء من كل جانب ، وربما يضللهم الدليل فى مسالك غير موثوق منها ، وقد بلغوا مدينة مريابة فحاصروها ، ولكن العطش كان قد أخذ يتهددهم بالفناء . فهل كانت تلك المدينة هى مأرب عاصمة السبئيين ؟ إن الإجابة عن هذا السؤال لاتزال حتى اليوم موضوع جدل . فقد ادعى الرومانيون أنهم بلغوا مدينة تقع على مسيرة يومين من بلاد البخور .

ولكن الجيش - وقد استبد به اليأس والمرض ، وتهدده العطش بالفناء ، وخشى خيانة الدليل - اضطر إلى التراجع قاطعًا فى شهرين الطريق التى استغرقت ستة أشهر فى الذهاب .

وأصدر الملك أوغسطس مخطوطة فى عدة نسخ تباهى فيها بالظفر الذى أحرزه ، ولكن ذلك لم يحل دون إخفاق الرومانيين إخفاقًا نهائيًا فى السيطرة على التجارة العربية . فقد دافعت طبيعة بلاد السبئيين عنهم دفاعًا أفضل من دفاع أسلحتهم أمام هجوم الرومان الذين لم يكن قد قهرهم أحد بعد . وهكذا اضطر الناس إلى التعرف بالاختبار ، إلى طبيعة هذه الأرض غير المضيافة ، التى لا يستطيع العيش فيها إلا من اعتادوا اقتحام الصعاب .

لقد كانت شبه جزيرة العرب - حسب رواية إيراتوستين بالفعل - تتألف من جزءين كبيرين يختلف كل منهما عن الآخر كل الاختلاف. ففى الجهة الجنوبية العربية السعيدة التى يقول عنها: « إن عدة أنهر ترويها ثم تختفى فى السهول والبحيرات ، وهى خصبة التربة ، يكثر فيها العسل والماشية وتنعدم فيها الخيول والبغال والخنازير ، وفيها كل أصناف الطيور إلا الدجاج والإوز » . أما فى الجهة الشمالية فتقع العربية القفراء « وهى بلاد رملية ، قاحلة ، ينبت فيها بعض النخيل ، واللاقنثة ( شوك اليهود ) والطرفاء ، وتنعدم فيها المياه إلا مياه الآبار ، ولا يقطنها غير البدو من العرب وهم رعاة إبل » .

وإذا كان لدى الناس فى مستهل القرن الأول للميلاد هذه الفكرة الموجزة عن طبيعة البلاد ، وسكانها ، وحضارتهم ، فلم يكن لديهم فكرة واضحة عن شكل شبه الجزيرة العربية ؛ إذ لم يكونوا قد تعلموا آنذاك رسم الخرائط .

لقد ذكر هيرودوت أن سيلاكس وعددًا من البحارة اليونانيين - نزولاً عند أمر داريوس ، ملك الفرس ( حوالى سنة 51 ق. م ) - استطاعوا أن يدوروا حول شبه الجزيرة العربية ، ابتداء من مصب نهر الأندوس فى بلاد الهند حتى بلاد مصر التى بلغوها عن طريق الجزء الأعلى من البحر الأحمر . لقد كان الناس يدركون - إذن - منذ زمن بعيد ، أن شبه الجزيرة العربية يقع على أحد حدوده بحر يتمكن المرء من بلوغ بلاد الهند عن طريقه . ولكن بينا نعرف اليوم أن البحر الأحمر ، والمحيط الهندى ، والخليج العربى تتصل ببلاد العرب ، كان الأقدمون يتصورون بحرًا واحدًا يحد السواحل العربية بكاملها ، ويطلقون عليه اسم بحر أريتريا ( أى الأحمر ) .

ولم يتمكن الملاحون الإغريق حتى القرن الثانى الميلادى من إعطاء فكرة واضحة عن شكل الساحل الحقيقى فى مجمله ، لأنهم لم يكونوا قد تمكنوا بعد من القيام بدورة كاملة حول شبه الجزيرة العربية .

لقد كان العرب ، فى الواقع ، يعتبرون مضيق باب المندب شديد الخطورة ، ولذلك أطلقوا عليه هذا الاسم ، ولم تكن الملاحة فى المحيط الهندى الواقع ما وراء هذا المضيق ، ممكنة إلا باتجاه الرياح الدورية فيه . وتهب هذه الرياح الدورية من شهر شباط ( فبراير ) حتى آب ( أغسطس ) من الجهة الجنوبية الغربية ، دافعة السفن نحو بلاد الهند ، أما خلال الأشهر الستة الأخرى فإنها تهب من الجهة الشمالية الشرقية باتجاه شبه جزيرة العرب . ولم يعرف البحارة الإغريق خلال عصور عديدة ، استخدام هذا النظام الذى تتبعه الرياح الدورية .

لهذا السبب أورد الملاحان آغاتا رشيد وآرتميدور وصفًا دقيقًا مفصلاً ، لشاطئ البحر الأحمر ، وموانئه ، وصخوره غير البعيدة عن وجه الماء ، وسلاسل سواحله ، وسكانه ، دون إيراد أى ذكر لميناء حضرموت لكونه واقعًا ما وراء مضيق باب المندب .

وقد توصل هيبالوس فى القرن الثانى قبل الميلاد ، إلى اكتشاف وسيلة لتنظيم رحلة بحرية كاملة ابتداء من البحر الأحمر ، بحيث يتم الوصول إلى باب المندب حين تكون الرياح الدروية ملائمة الهبوب . ومنذ ذلك الحين فقط ، بدأ الإغريق يقومون برحلات بحرية منتظمة إلى بلاد الهند ، واستطاعوا أن يمخروا على مقربة من ساحل حضرموت .

ونجد فى المؤلفات التى وضعت فى مستهل التاريخ الميلادى عددًا متزايدًا من المعلومات عن داخل البلاد . فقد أورد المؤرخ الرومانى بلينى فى القرن الثانى للميلاد لوائح بأسماء القبائل ، والمدن ، والقرى فى القسم الأوسط من شبه جزيرة العرب ، وبرهن على معرفة أدق بالسكان ، الحضر منهم والبدو .

ويذكر كتاب « دورة حول بحر أريتريا » لمؤلف مجهول ، أسماء الطرق التى كانت تربط ما بين مملكة سبأ والبتراء من جهة ، وبينها وبين عمان وحضرموت والجرعاء على الخليج العربى من جهة أخرى .

وأخيرًا نجد فى كتاب بطليموس أطلسًا حقيقيًا يحتوى تعليقات وشروحًا ، وقد نُسقت فيه المعلومات المجموعة حتى أيامه ، تنسيقًا دقيقًا .

إن رجال عصر النهضة لم ينظروا إلى هذا الكتاب كمجموعة معارف فحسب ، بل أعجبوا بما احتواه من الاكتشاف العلمى الذى سمح بأن تعيّن على الورق مواقع الأماكن المعروفة المختلفة . ولم يكن ذلك ممكنًا إلا بتقسيم العالم بصورة اصطلاحية بمتوازيات خطوط العرض ابتداء من خط الاستواء ، وبمتوازيات خطوط الطول ابتداء من نقطة حددها الجغرافى فى جزيرة فيترول . وبالنسبة إلى هذه المتوازيات أمكن تحديد المواقع الجغرافية للأماكن المختلفة ، ووضعها على الخارطة .

والجزيرة العربية التى رسمها بطليموس ممدودة عرضًا نحو الأسفل ، وضيقة فى الأعلى . وقد رسم فيها الجغرافى أربعة أنهر كبيرة ، وسلاسل جبال وعددًا كبيرًا من الأسماء .

لقد أدهشت هذه المعرفة رجال عصر النهضة . ولكنهم كانوا قد تعلموا فى مدرسة المؤلفين القدماء أن يتحروا صحة المعرفة ، وأن يصروا على التحقق بأنفسهم ، رافضين الاستماع إلى الروايات . فلم يكتفوا بالاطلاع على ما كُتب ، ولكنهم تحرقوا شوقًا إلى الرؤية بأعينهم . ومن ثم منشأ ذلك الشوق الملح إلى السفر الذى سمح برؤية أراض جديدة ، وأناس جدد ، وعادات جديدة ، وكلها موضوعات للملاحظة والتأمل فى وسعهم تقديمها لمواطنيهم . ولكن أوروبا كانت قد أخذت تقدم مادة اكتشافات عديدة فكيف السبيل إلى دخول الشرق الإسلامى ، الشرق المعادى ؟

ومع هذا ، فقد وجد رجل كتب ما يلى : « إن الرغبة التى أهابت بالكثيرين إلى رؤية الممالك الدنيوية ، هى التى يبدو أنها قد دفعتنى إلى العمل نفسه . وبما أن الممالك والمقاطعات الأخرى كلها قد أعلن عنها الكثيرون ، عقدت العزم على رؤية المقاطعات والممالك التى لم يقم أجدادنا بزيارتها إلا فيما ندر . واتكالاً على معونة الله أبحرنا من البندقية عند هبوب رياح ملائمة » .

كان هذا سنة 1503 ، وكان ذلك الرجل هو « لودفيكو دى فارتيما » .

الصفحات