أنت هنا

قراءة كتاب من القلب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من القلب

من القلب

هذه مقالات كتبتها بمداد القلب وحاولت أن أضمنها كل مشاعر الصدق والحب والجمال، والألم والمعاناة أيضا.  وآمل أن يجد القارئ فيها متعة روحية وفائدة معنوية ويحس بما جاء فيها من صدق الكلمة، وحرارة الشعور، والله ولي الصادقين.  

 (المؤلفة)

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3
شــــكـرا أســـــــاتذتـي...!
 
من عادتي عندما أزور عمان أو أي بلد، أن أتنقل بين مقاهيها، ومطاعمها، ومتنزهاتها، وشوارعها، آكل وأشرب وأسترخي وأتأمل وأطالع وأغتنم الفرص الضائعة من أيام العمر التي نحرم منها نحن الفلسطينيّين في الضفة الغربية بسبب الضغوطات النفسية والسياسية والاجتماعية التي يفرضها علينا الاحتلال؛ مما يصادر حريتنا ويضغط على أرواحنا ويجعلنا لا نعيش الحياة الطبيعية كما ينبغي مثل أي شعب من شعوب العالم التي تنعم بالحرية والاستقلال. ولا أذكر فيما أذكر، وخاصة عندما أكون وحدي في سفر أو تجوال، أو مطعم أو متنزه أو أي مكان، إلا وبيدي كتاب أقرأه وقلم أخط به ما يجيش في صدري من انفعالات، وما يتراود إلى ذهني من أفكار وصور وأحلام، كي أجسد الفكرة، وأحيي الخبرة. هكذا هو دأب الكاتب يتحين الفرص والأحداث في كل زمان ومكان ليتأمل ويفكر ويكتب ويرصد.
 
ولدى زيارتي الأخيرة لعمان، وبينما كنت جالسة على شرفة مطعم "الميكدانولدز" الفسيحة المطلة على بوابة الجامعة الأردنية التي تعلوها الشموع الإسمنتية كديكور معماري يزيد من فخامتها، ويذكي الأمل والتفاؤل في نفوس طلبتها وهم سائرون في دروب العلم والمعرفة يستضيئون بشعاعها ويستهدون بنورها، وبينما كانت السيارات تسير في كلا الاتجاهين مسرعة وغير مسرعة، والشمس مشرقة ساطعة تطل علينا بأشعتها الذهبية، والنسيم العليل يرطب وجوهنا فيحرك أغصان الشجر بتمايل يحدث معه حفيفا خفيفا لأوراق الشجر، نظرت وتأملت، وسرحت وتخيلت، فتذكرت الأيام الخوالي عندما كنت طالبة أجلس على مقاعد الدراسة في الجامعة الأردنية أروح وأجيء وأبحث وأدرس، ما أثار في نفسي الحنين إلى تلك الأيام الجميلات التي كانت تمتلئ صدقا وعملا وإخلاصا، وعلما وثقافة وصفاء، وأملا بمستقبل مشرق واعد ينشر بريقه على أيام دراستنا، فانتعشت روحي بهذا الحنين، وترطبت مشاعري بهذه الذكريات ، فشعرت بسعادة ما بعدها سعادة.
 
عندها تذكرت كم قضيت ورفاق صفي الساعات الطوال في المكتبة ونحن نبحث ونقرأ ونتصفح الجرائد والمجلات والكتب والمراجع من أجل بحث نعدّه، أو مقال نخطّه، أو معلومة نجمعها، أو فكرة نتذوقها! تذكرت كم تجولت في مبانيها الأنيقة المنزرعة بين الأشجار والمحاطة بالممرات المكسوة بنوافير الماء والعشب الأخضر، والورد الأحمر، الذي كان يجمل نفوسنا، ويفتح شهيتنا للعلم، وعقولنا للدراسة والمعرفة! تذكرت كم كنت حريصة على وجودي في قاعاتها الدراسية قبل موعد المحاضرة بفترة وجيزة؛ لأضمن مقعدا فيها قبل تهافت الطلاب عليها حرصا على ألا يفوتني شيء من علم الأستاذ إذا ما تأخرت عن المحاضرة، أو تلكأت في المجيء إليها! تذكرت أساتذتي بوجوههم النيرة، ونفوسهم الطيبة، وعلمهم الغزير، وعقولهم المتفتحة، وشخصياتهم القوية، وكفاءاتهم العالية، وهم يبذلون كل ما يستطيعون بتفان وإخلاص ليزرعوا في عقولنا علما نفهمه، أو طبعا نتخلقه، أو عادة نكتسبها، أو مهارة نتقنها، أو معرفة تثقفنا، أو نصيحة تبصرنا! تذكرت كم كانوا يغمروننا بحنانهم، ويحيطوننا بعطفهم واهتمامهم، وهم يشرحون لنا شيئا مستعصياً علينا، أو يرشدوننا في تسجيل مساقاتنا، أو ينتظروننا في مكاتبهم إذا ما ضربنا معهم موعدا لمناقشة فكرة، أو الاستنارة برأي أو موعظة! تذكرت مشاركتهم لنا في حفلاتنا، وندواتنا، ورحلاتنا، مما كان له كبير الأثر في بناء شخصياتنا، والثقة بأنفسنا، وتمكننا من علمنا، ونجاحنا وتفوقنا وتخرجنا! تذكرت بالذات الذين خصوني بمحبتهم، وحبوني برعايتهم واهتمامهم، فامتلأت نفسي شكرا وتقديرا، وفاضت مشاعري حبا وعرفانا وتعظيما.
 
كل هذا تذكرته وأنا أتأمل وأنظر إلى بوابة الجامعة الأردنية جالسة في مقعدي، فهاج في نفسي الحنين إلى جامعتي، والشوق إلى أيام دراستي، وانبعثت في روحي كل مشاعر الحب والتقدير إلى أساتذتي وكل من ساهم في تعليمي والوصول بي إلى الدرجة التي أنا عليها، والمكانة التي أتمتع بها بين أهلي وخلاني وشعبي ووطني وطلابي. وبينما أنا على هذه الحال أغوص في بحر الذكريات والصور تتدافع في مخيلتي، والمشاعر تتراقص في روحي ووجداني، هرعت إلى القلم ألتقطه من حقيبة يدي؛ لأجسد هذه الذكريات الغاليات في كلمات نابضات ناطقات تفيض بالشكر والعرفان، والتقدير والامتنان لأقول من أعماق قلبي، شكرا.. شكرا أساتذتي على كل ما بذلتموه من أجلي، شكرا على كل حرف علمتموني، شكرا على كل جهد صرفتموه في توجيهي وإرشادي، شكرا على كل معرفة ساهمت في تنويري وتفتيح مدارك عقلي، شكرا على كل عمل أو توجيه ساهم في بناء شخصيتي وعمل على صقل طباعي وازدياد معرفتي، شكرا على جهودكم الخيرة المباركة، إذ لولاكم لما تعلمنا، ولولا إخلاصكم وتفانيكم لما استفدنا ولا أثمرنا. والشكر الأول والأخير لله العلي القدير الذي قدر فهدى، ويسر السبيل فأعطى، وأنار الفؤاد فأبصر، وفتح القلب فأقبل.
 
وهكذا ظللت أردّد كلمة الشكر هذه كلما مررت بمدرسة درست فيها، أو جامعة تعلمت فيها، سواء أكان ذلك في بلدي نابلس، أو الأردن، أو أمريكا.

الصفحات