أنت هنا

قراءة كتاب الفتوحات اللغوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الفتوحات اللغوية

الفتوحات اللغوية

كتاب " الفتوحات اللغوية - انتشـار اللغـة العربيـة وولادة اللهجـات في القرن الأول الهجري"؛ للكاتب محمد الشرقاوي، ويأتي في مقدمته:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 1

تصدير

يعتبر تطور اللغة العربية في ثلاث مراحل من تاريخها مرتبطًا ارتباطًا شرطيًا بالهجرة والانتقال. فيستطيع القارئ أن يدرك من صيغة هذا الكتاب أهمية الهجرة في صناعة ما يمكن أن نسميه مفهوم اللغة العربية. ففي القرن الأول الهجري كانت الفتوحات العربية التي مهدت للعرب في شمال أفريقيا والعراق والشام، فنشأت اللهجات العربية التي نعرفها الآن في تلك الأمصار بشكليها الحضري والريفي. كما أن هجرات العرب إلى آسيا في القرنين الثالث والرابع من الهجرة قد أسهمت في نشوء ما يمكن أن نسميه بالجزر اللغوية العربية خارج حدود الإقليم اللغوي العربي، تلك الجزر في أفغانستان وأوزبكستان وغيرهما. أما القرن التاسع عشر فقد شهد نوعًا آخر من الهجرات العربية. كانت الهجرات هذه المرة لشرق أفريقيا في المرحلة الاستعمارية من تاريخ مصر الحديث. فنشأت أنماط من العربية في تلك الأماكن يمكن أن نسميها الهجين اللغوي العربي.
سنسهب في الحديث عن تلك التقسيمات في داخل الكتاب ولكن يكفي أن نعرف الآن أن العربية بفضل الهجرات عبر التاريخ أصبحت مفهومًا لغويًا مركبًا، ليس فقط من لهجات وفصحى، بل يحتوي على أنماط متفاوتة من حيث التعقيد التركيبي والاستخدام البرجماتي الوظيفي. يحاول هذا الكتاب أن يركز على الهجرة العربية الأولى وتأثيرها في تطور العربية كما نفهمها. ولكن هذا التركيز لا يعني أننا سنغفل المراحل الأخرى من تلك الهجرات بل نستخدمها على سبيل المقارنة. ليلاحظ القارئ الكريم أن الكتاب سيعتمد طريقة مقطعية في التركيز على مادة الدراسة.
ليس موضوع تطور العربية في حد ذاته مادة بحثية جديدة، خاصة فيما يتعلق بوقت الفتوحات العربية بل سبق وأن درسها علماء كبار في علوم العربية منهم «فوك» سنة 1951 في كتابه «العربية». تميز هذا الكتاب صفتان أساسيتان: الأولى أنه كتاب يرصد تطور بعض العناصر اللغوية العامة كالتصريف الإعرابي من مرحلة ما قبل الفتح للمراحل التاريخية العربية الإسلامية المتأخرة، ويعتمد في تقسيم مراحله تلك على تقسيمات الأدباء والمؤرخين الأدبيين العرب القدماء. فتجده يتكلم عن العصر الأموي والعصر العباسي وعصر الدويلات دون أن يتوافق هذا التقسيم مع سمات لغوية مميزة لكل مرحلة يتكلم عنها. أما الصفة الثانية المهمة في كتاب «العربية» فهي أنه يتعاطى فقط مع الأداء اللغوي الخاص بفصحى القرآن الكريم والشعر العربي. يتوصل «فوك» في هذا البحث إلى ظاهرة سيؤكدها «كورينتي» في السبعينيات في مقالات ثلاثة، هي: أن العرب فقدوا سليقتهم اللغوية وحسَّهم الفطري للتصريف الإعرابي كأحد أوضح رموز الفصحى القرآنية، وجاء هذا الفقد مبكرًا جدًا بعد الفتوحات العربية مباشرة.
الميزة الأساسية في كتاب «فوك»، هي أنه يرصد تطورًا في استخدام ظاهرة بعينها وهي «التصريف الإعرابي». وهو أمر حسن إن لم يكن مفيدًا في رصد الوضع اللغوي العام في شبه الجزيرة العربية قبل الفتح ولا في الأمصار بعده.
حاول «فرستيغ» في عام 1984 أن يفسر ما رآه انهيارًا للعربية القديمة التي كانت تشبه عربية القرآن من وجهة نظره. يتصور «فرستيغ» أن هناك انتقالًا حادًا وسريعًا من عربية تشبه عربية القرآن فيها تصريف إعرابي سليم وكامل قبل الفتح عند كل العرب لعربية تشبه عربية لهجاتنا المعاصرة دون تصريف إعرابي وبلهجات خالية من المثنى وجموع المؤنث بعد الفتح. السبب في ذلك في تصور «فرستيغ» هو أن العربية في الأمصار المفتوحة تعرضت لعملية تهجين لغوي واسعة من قبل غير العرب إبّان تعلّمهم للعربية بشكل سريع وغير منظم.
لكن لأسباب كثيرة سنسهب في تفصيلها داخل الكتاب نقد الباحثون نظرية «فرستيغ» معتمدين على تبريرات لغوية تركيبية واجتماعية سكّانية. ولكن أبرز أوجه النقد لتلك النظرية، أنها لا تتعامل مع التطور اللغوي العربي في اللهجات الحضرية بشكل كامل، حيث إن التبرير الذي يقدمه «فرستيغ» أولًا لا يعكسه واقع اللهجات العربية الآن من حيث كونها متشابهة مع الفصحى في الكثير من المواقع، كما أنها لا تبدي أي أثر من آثار التهجين اللغوي. ثانيًا أثبتت الدراسات الحديثة في التهجين اللغوي أن التهجين عملية وليس مرحلة تطورية، أي أنه حتى لو حدث تهجين فلا يجب له أن يستقر بالضرورة فيصبح لغة جديدة نطلق عليها هجينًا لغويًا. يعتقد الكثير من الباحثين الآن، وأنا واحد منهم، أن التهجين اللغوي عملية من ضمن العمليات الأولى في تعلم اللغة الثانية.
ولكن نظرية «فرستيغ» في شكلها الأصلي وبالرغم من معايبها النظرية تظلّ النظرية الوحيدة التي طرحت حتى الآن لتطور اللهجات العربية الحضرية الحديثة، أزعم هنا أنني أتصور أن التهجين اللغوي لابد وأن حدث في أوساط البصرة والكوفة والفسطاط والرملة والرباط والقيروان.. وغيرها، ولكنه حدث كطور من أطوار التعلم في ظل بيئة لغوية شكّل العرب فيها الغالبية من السكان.
نحن بحاجة كبيرة لنظريات في تطور العربية كفكرة ومفهوم عمومًا وأنماط خاصة منها جغرافية أو اجتماعية أو تاريخية خصوصًا، يجب أن تعتمد تلك النظريات على علوم اللغة الحديثة من تعلم اللغة الثانية وعلم اللغة الاجتماعي وعلوم التواصل، بل وعلوم الحاسب أيضًا. وأزعم هنا أن العربية ستقدم لنا كباحثين لغويين حالة فريدة من التطور اللغوي إن درست بشكل كافٍ وبعناية كبيرة ستفيدنا كثيرًا في تطور علوم اللغة عمومًا وهو أمل يصبو إليه كل باحث لغوي جاد.
محمد الشرقاوي
القاهرة 21 مارس 2006

الصفحات